للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينبغي حمل الكراهة في كلامهم على كراهة التحريم لا كراهة التنزيه؛ إذ العلماء المتقدمون كثيرًا ما يطلقون الكراهة ويريدون بها كراهة التحريم هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الآثار التي استدل بها القائلون بجواز ذلك مطلقًا أو جوازه حال الدفن دون ما بعده ضعيفة لا تثبت (١)، إضافة إلى كون القراءة على القبور قد توقع في الغلو فيها والشرك بها من دون الله تعالى (٢).

وبناء على ما سبق فما ذهب إليه ابن حجر من استحباب القراءة على القبور مخالف لما عليه أئمة المذاهب الأربعة -ومنهم الأمام الشافعي الذي ينتسب إليه ابن حجر ويذهب مذهبه- فإنهم وإن اختلفوا في كراهة القراءة على القبور أو عدمها، إلا أنهم متفقون على عدم استحبابها.

وأما قول ابن حجر ببدعية الاجتماعات الحادثة عند القبور للقراءة والدعاء، ثم زعمه بعد ذلك بأن من تلك الاجتماعات ما هو بدعة حسنة تناقض ظاهر؛ فإن البدع المحدثة في دين الله كله سيئة لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل بدعة ضلالة" (٣)، وتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة مسلك بدعي، روج له الصوفية والقبورية لنشر بدعهم بين العامة وصدهم عن السنن -كما سيأتي- (٤).

[١٣ - شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-]

يعد ابن حجر -غفر الله له- من حاملي لواء القول باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمنافحين عنه والرادين على من خالفه، وقد صنف في تقرير ذلك مصنفين أحدهما: الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم، والآخر: تحفة الزوار إلى قبر النبي المختار، علاوة على كتبه الأخرى التي عرض فيها لهذه المسألة (٥)، بل بلغ به الأمر


(١) انظر: المصادر السابقة.
(٢) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (٩/ ٥٦).
(٣) سبق تخريجه (ص ٧).
(٤) انظر: (ص ٧٠٥).
(٥) انظر: فتح الإله بشرح المشكاة (ص ٣٥٠)، الإيعاب شرح العباب (٣/ ٩٣/ أ)، المنح المكية (٣/ ١٠٨٧) (٣/ ١٠٩٠)، الدر المنضود (ص ١٢٦) وما بعدها، حاضية الإيضاح (ص ٤٨٨، ٥٠٥، ٥١٠)، فتح الجواد (١/ ٢٤٤)، الفتاوى الفقهية الكبرى (١/ ٤٢١)، تحفة=

<<  <   >  >>