المبحث الثاني آراؤه في أفعال العباد، والهدى والضّلال، وتنزيه الله عن الظّلم
عرض ابن حجر لمسألة أفعال العباد وما يتّصل بها من الهدى والضّلال، وتنزيه الله سبحانه عن الظّلم، وفيما يلي عرض آرائه وتقويمها:
أولًا: أفعال العباد:
يرى ابن حجر أنّ أفعال العباد من خلق الله تعالى ومن كسب العباد، فهي تنسب لله خلقًا، وللعباد كسبًا، وأنّه بهذا يفارق القدريّة والجبريّة بزعمه، يقول في ذلك: "الله تعالى أجرى عادته الإلهيّة في هذا العالم على أسباب ومسبّبات تناط بتلك الأسباب، وينسب وقوعها إليها، نظرًا للصّورة الوجوديّة، وإن كان الكلّ في الحقيقة إنّما هو بقضائه وقدره كما يدلّ على ذلك كلّه قوله تعالى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[الأنفال: ١٧]، {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ}[الأنفال: ١٧].
فأسند تعالى إليه -صلى الله عليه وسلم- الرّمي، وإليهم القتل باعتبار الصّورة الوجوديّة، ونفاهما عنهم باعتبار الحقيقة الإيجاديّة، إشارة إلى أنه يجب علينا رعاية المقامين، بأن نسند الأفعال إلى فاعليها صورة ليمدحوا أو يذمّوا باعتبار جريان تلك الصّور عليهم، وإلى الله حقيقة من حيث عجز العبد عن ذلك وانفراد الحقّ تبارك وتعالى به.
وأن نعتقد بطلان مذهب القدريّة الذين ينفون قدرة الحقّ، ويثبتون قدرة العبد تخيّلًا منهم أنهم فرّوا بذلك عن نسبة القبيح إلى الله تعالى، وغفلة عن