للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنّه يلزمهم ما هو أقبح من ذلك وهو أن يجري في ملكه ما لا يشاؤه، على أنّ نسبة أفعال العباد إليه تعالى لا تستلزم نسبة القبيح إليه؛ لأنّ الشّيء إنّما هو قبيح بالنّسبة لفعلنا لا لفعله تعالى لأنّه يتصرّف في ملكه بما يشاء ...

وأن نعتقد بطلان مذهب الجبرية أيضًا، لأنّه يلزم عليه أن لا ثواب ولا عقاب، ولا مدح ولا ذمّ، لأنّ المجبر المكره على الشّيء من كلّ وجه لم يصدر منه فعل ينسب إليه حتى يُدار عليه حكم ...

وقد عُلم من الشّريعة الغرّاء أنّ الله تعالى أسند الأفعال لعباده، ومدحهم عليها تارة، وذمّهم أخرى، فنتج ما قلناه من التّوسّط بين المذهبين بأن نظرنا إلى الأفعال من حيث الصّورة وأنطنا بها أحكامًا، ومن حيث الحقيقة وأنطنا بها أحكامًا، لأنّ هذا هو العدل السّويّ، والطّريق الواضح الجليّ" (١).

ويقول أيضًا: "أفعالنا كلّها بقدرته تعالى أوجدها فليس لقدرتنا في إيجادها تأثير البتّة، وإنّما خلق لنا قدرة واختيارًا فحيث لا مانع أوجدها مقارنة لها بالحكمة، فهو مُبدعها والعبد مُكتسبها فيجازى بفعله إن خيرًا فجزاؤه خير وإن شرًّا فالجزاء شرّ ... " (٢).

التّقويم:

أفعال العباد قسمان: اضطراريّة واختياريّة.

فالاضطراريّة: كحركات المرتعش ونبضات العروق ونحو ذلك، وهذه لا خلاف بين النّاس في كونها خارجة عن قدرة العبد.

والاختياريّة: ما سوى ذلك (٣) -وهي محلّ البحث هنا- وقد اختلف الناس فيها، وتعدّدت مذاهبهم تجاهها، وحاصل الكلام عليها ما يلي:


(١) المنح المكية (٣/ ١٣٦٢ - ١٣٦٣)، وانظر: (٢/ ٦٧١)، الزواجر (١/ ١٠٠، ١٠٦، ١٠٨)، الفتاوى الحديثية (ص ٢٧٦).
(٢) التعرف (ص ١١١)، وانظر: (ص ١٣١)، الزواجر (١/ ١٠٠، ١٠٢)، فتح المبين (ص ٢٠٠)، غرر المواعظ (ص ٤٠)، الإيعاب (١/ ١٤)، فتح الإله (ص ٦، ١٣٥).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٠٥).

<<  <   >  >>