للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يرد الله وتعالى بالميزان إلا المعقول منه المتعارف عليه فيما بيننا، دون العدل وغيره علىِ ما يقوله بعض الناس؛ لأن الميزان وإن ورد بمعنى العدل في قوله: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد: ٢٥] فدل ذلك على طريق التوسع والمجاز، وكلام الله تعالى مهما أمكن حمله على الحقيقة لا يجوز أن يعدل به عنه إلى المجاز، يبين ذلك ويوضحه أنه لو كان الميزان إنما هو العدل، لكان لا يثبت للثقل والخفة فيه معنى، فدل على أن المراد به الميزان المعروف الذي يشتمل على ما تشتمل عليه الموازين فيما بيننا" (١).

وكلام القاضي عبد الجبار كافٍ في إثبات كون القول بإنكار الميزان ليس قولًا لجميع المعتزلة، وفي الرد على من أنكره منهم.

خامسًا: الرؤية:

[١ - رؤية الله تعالى في الدنيا]

سئل ابن حجر رحمه الله عن رؤية الله تعالى في الدنيا، فأجاب بقوله: "الكلام هنا في مقامين:

الأول: في إمكانها عقلًا:

الذي عليه أهل السنة أنها ممكنة عقلًا وشرعًا في الدنيا، واستدلوا لذلك بأمور عقلية وأمور نقلية، لكن أدلتهم العقلية لا تخلو من دَخَل وخفاء، فالمعول عليه في إمكانها إنما هو الأدلة النقلية.

فمنها أن موسى - صلى الله على نبينا وعليه وسلم - قد سألها بقوله: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣].

فلو لم تكن الرؤية ممكنة جائزة الوقوع في الخارج لكان طلب موسى لها جهلًا منه بما يجوز على الله وما لا يجوز، أو سفهًا أو عبثًا أو طلبًا للمحال، والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين منزهون عن كلٍّ فردًا فردًا من ذلك إجماعًا، بل من جوّز واحدًا من هذه على واحد منهم فهو كافر مهراق الدم.


(١) شرح الأصول الخمسة (ص ٧٣٥).

<<  <   >  >>