للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجلب المنفعة ممنوع؛ ذلك أنّه إن أراد أنّ هذه الحكمة هي التي لأجلها يفعل الإنسان فهذا مُسَلَّم ولا ينفعه شيئًا، وإن أراد أنّها الحكمة التي يفعل الله لأجلها أو ما هو أعمّ من ذلك، فإنّ حكمة الرّبّ فوق ذلك، والله يتعالى عن ذلك، فيكون استدلاله هذا مستندًا إلى قياس الخالق على المخلوق قياس تساوٍ، وهو باطل (١).

٢ - أنّ التّعبير عن الحكمة بالأغراض الباعثة في حقّ الله تعالى مِمّا لا يدلّ عليه الشّرع، والتّعبير بذلك لاستبشاع المعنى الشّرعي الثّابت له سبحانه لا يجوز (٢).

٣ - أنّ قوله بلزوم القول بترتّب الفعل على الحكمة لنقص الباري سبحانه في ذاته واستكماله بتحصيل الغرض، مبني على أنّ الحكمة مغايرة له، والحقّ -الذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة- أنّ الحكمة التي يعود حكمها إلى الله تعالى صفة له، وما كان صفة لله تعالى لا يتصوّر أن ينفكّ عنه، وعليه فلا صحّة بلزوم ذلك (٣).

ثالثًا: تكليف ما لا يطاق:

يرى ابن حجر - غفر الله له - جواز تكليف الله تعالى العباد بما شاء من الأفعال، حيث يقول: "له تكليفهم بما شاء من الأفعال مع تقدير أسباب منعهم منها، وهو المسمّى بتكليف ما لا يطاق" (٤).

ويقول أيضًا: "أجمعت الأمّة على التّكليف بالمحال كغيره، كتكليف أبي جهل مثلًا بالإيمان مع علم الله بأنّه لا يؤمن؛ وذلك لأنّ التكليف بذلك إنّما هو بالنّظر للحالة الرّاهنة المنطوي عنا عاقبتها، فهم بالنّسبة إليها مكلّفون بالإيمان لقدرتهم عليه ظاهرًا، وإن كانوا عاجزين عنه باطنًا، لعلم الله تعالى بأنّهم لا يؤمنون، لأنّ هذا لا نظر إليه وإلا لارتفع الاختيار،


(١) انظر: شفاء العليل (٢/ ٥٧٨ - ٥٧٩).
(٢) انظر: منهاج السنة (٢/ ٤٥٥)، العواصم والقواصم (٧/ ٣١٨).
(٣) انظر: منهاج السنة (١/ ٤٢١)، مجموع الفتاوى (١٦/ ١٣٣)، شفاء العليل (٢/ ٥٧٩).
(٤) فتح المبين (ص ٧٢).

<<  <   >  >>