للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحكمة العائدة إليه سبحانه، والمتعلّقة بأفعاله نوعان:

١ - حكمة مطلوبة لذاتها، كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦].

٢ - حكمة مطلوبة لغيرها وتكون وسيلة إلى مطلوب لنفسه، كما في قوله - عز وجل -: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)} [الأنعام: ٥٣] (١).

وحكمته سبحانه بنوعيها لا يحاط بها علمًا، وبعضها معلوم للخلق، وبعضها مِمّا يخفى عليهم.

يقول العلّامة ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ -: "الله سبحانه حكيم، لا يفعل شيئًا عبثًا، ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل، وقد دلّ كلامه وكلام رسوله على هذا في مواضع لا تكاد تُحصى" (٢).

ومما سبق يتّضح اضطراب ابن حجر - عفا الله عنه - في هذه المسألة فقد وافق أهل السّنّة في إثبات الحكمة والتّعليل في أفعال الله، ووافق الأشاعرة في قوله بأن "تلك العلل حكم موضحة لأفعاله لا أغراض باعثة عليها" فوقع بذلك في التّناقض؛ إذ القول بإثبات الحكمة والتّعليل يناقض القول بأنّها موضّحة لأفعاله لا باعثة عليها، ولهذا طرد أهل السّنّة والجماعة قولهم، وطرد الأشاعرة قولهم.

وقول ابن حجر: "بأنّ أفعاله تعالى معلّلة بحكم غايتها تعود لنفع المكلّفين وكمالهم لا لنفع الله وكماله؛ لاستغنائه بذاته عمّا سواه، فتلك العلل حكم موضحة لأفعاله لا باعثة عليها لأنّه تعالى مُنَزّه عن أن يبعثه شيء على شيء" متعقّب بما يلي:

١ - أنّ حصر الحكمة في حصول النّفع الذي يُراد به دفع المفسدة


(١) انظر: شفاء العليل (٢/ ٥٤١).
(٢) المصدر السابق (٢/ ٥٣٧).

<<  <   >  >>