للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: الهدى والضّلال:

يرى ابن حجر -عفا الله عنه- أنّ الهدى والضّلال بخلق الله وإرادته، وأنّ الهداية والإضلال محض فعل الله تعالى، لا فعل للعبد فيهما، ولا دخل له في واحد منهما.

يقول عقب إيراده لقوله سبحانه: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٧ - ٨].

"اعلم أنّ في هذه الآية دلالة ظاهرة وحجّة واضحة لردّ ما عليه المعتزلة، والحقيقة ما عليه أهل السّنّة من أنّ الزّيغ والهداية بخلق الله وإرادته.

وبيانه: أنّ القلب صالح للميل إلى الخير وإلى الشّرّ، وإلى الإيمان وإلى الكفر، ومُحال أن يميل إلى أحدهما بدون داعية بل لا بدّ في ميله لذلك من حدوث داعية وإرادة يُحدثها الله تعالى، فإن كان داعية الكفر فهو الخذلان والإزاغة والصد والختم والطّبع والرّين والقسوة والوقر والكنان وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن، وإن كان داعية الإيمان فهو التّوفيق والإرشاد والهداية والتّسديد والتّثبيت والعصمة وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن" (١).

ويقول أيضًا: "أمر الله تعالى عباده أن يسألوه في كلّ ركعة من صلاتهم اهدنا الصراط المستقيم، وفي هذه الجملة دليل لقول أهل الحقّ أنّ الهداية والضّلال من خلق الله وإيجاده لا دخل للعبد في واحد منهما خلافًا للمعتزلة.

قال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [المدثر: ٣١]، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: ٤٣]، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٥، التكوير: ٢٩]، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)} [الصافات].

وأصرح من ذلك في إبطال مذهبهم الفاسد أنّه تعالى أراد هداية


(١) الزواجر (١/ ٨٨).

<<  <   >  >>