للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولهم هذا مبني على قولهم بالكسب في أفعال العباد، وقولهم بنفي تأثير الأسباب والطّبائع. وهما باطلان، وما بني على باطل فهو باطل.

والرّدّ عليهم من طريقين:

أحدهما: النّقض:

بأن يُقال إنّ حقيقة هذا القول هو الجبر، إلا أنّ الجهميّة صرّحوا به، والأشاعرة امتنعوا عن ذلك وتستّروا تحت مسمّى الكسب.

ولهذا فإنّ الرّازي وهو من كبار الأشاعرة لَمّا أيقن بذلك صرّح بالجبر، وامتنع عن التزام لوازمه، وقال: "إنّ الإنسان مضطر في اختياره، وإنّه ليس في الوجود إلا الجبر" (١).

ولا ريب في بطلان القول بالجبر، وقد تقدّم في كلام ابن حجر بيان ذلك والرّدّ على القائلين به، فكلامه هنا منقوض بكلامه هناك.

ثانيهما: المعارضة:

بما تقدّم إيراده من الأدلّة الشّرعيّة الدّالّة على أنّ العبد فاعل لفعله حقيقة، والاهتداء والضّلال منسوب إليه.

ويتبيّن مِمّا سبق خطأ ابن حجر -عفا الله عنه- في هذه المسألة، ومجانبته لقول أهل السّنّة والجماعة فيها.

ثالثًا: تنزيه الله عن الظّلم:

يرى ابن حجر -عفا الله عنه- أنّ الظّلم مستحيل على الله تعالى؛ لأنّ معناه ممتنع في حقّه سبحانه.

يقول في ذلك: "الظّلم لغة: وضع الشّيء في غير محلّه ...

وهو مستحيل عليه تعالى؛ إذ هو تصرّف في حقّ الغير بغير حقّ أو مجاوزة الحدّ وكلاهما مُحال؛ إذ لا مُلك ولا حقّ لأحد معه بل هو الذي خلق المالكين وأملاكهم، وتفضّل عليهم بها وحدّ لهم الحدود، وحرّم وأحلّ فلا حاكم معه يتبعه ولا حقّ يترتّب عليه، تعالى الله عن ذلك علوًّا


(١) المباحث المشرقية (٢/ ٥٤٤).

<<  <   >  >>