للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعل منه أو اختيار (١).

واضطرب الأشاعرة في ذلك بناء على اضطرابهم في الكسب وحقيقته، فقالوا: إنّ الهداية والإضلال فعل الله لا فعل العبد يخلقهما سبحانه وتعالى في العبد، وليس للعبد فيهما دخل ولا اختيار، فوافقوا بقولهم هذا الجهميّة الجبريّة (٢).

والحقّ هو ما عليه أهل السّنّة والجماعة من أنّ الهداية والإضلال فعل الله تعالى، والاهتداء والضّلال فعل العبد.

وأنّ المراد بالهداية في حقّه سبحانه: بيانه عَزَّ وَجَلَّ الحقّ وإرشاده له، وتوفيقه وتسديده من شاء من خلقه إليه.

والمراد بالإضلال في حقّه تعالى: إضلاله عَزَّ وَجَلَّ من شاء من خلقه بأن يكلهم إلى أنفسهم ولا يعينهم على الخير فيضلّون فيعاقبهم بجنس عملهم.

والمراد بالاهتداء والضلال في حقّ العبد: أنّه فاعل الهدى والضّلال والطّاعة والعصيان على الحقيقة، وليس فاعل ذلك أحدًا غيره (٣).

يقول العلّامة ابن القيّم رَحِمَهُ اللهُ في تقرير ذلك: "اتّفقت رسل الله من أوّلهم إلى آخرهم، وكتبه المنزّلة عليهم على أنّه سبحانه يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء، وأنّه من يهده الله فلا مُضِلّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأنّ الهدى والإضلال بيده لا بيد العبد، وأنّ العبد هو الضّالّ أو المهتدي، فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره، والاهتداء والضّلال فعل العبد وكسبه" (٤).

ومما سبق يتّضح أنّ ما قرّره ابن حجر -عفا الله عنه- في هذه المسألة وعزاه إلى أهل السّنّة وأهل الحقّ، وانتصر له وَرَدّ على من خالفه هو مذهب أصحابه الأشاعرة.


(١) انظر: مقالات الإسلاميين (١/ ٣٣٨)، الفرق بين الفرق (ص ٢١١)، الملل والنحل للشهرستاني (١/ ٨٧).
(٢) انظر: أصول الدين للبغدادي (ص ١٤٠)، الإرشاد (ص ١٨٩)، القضاء والقدر للرازي (ص ٩٥)، المواقف (ص ٣١٩)، وشرحها للجرجاني (٨/ ١٦٩)، شرح المقاصد (٤/ ٣٠٩).
(٣) انظر: الانتصار للعمراني (١/ ٢٧٦) وما بعدها، مدارج السالكين (١/ ٤١٣)، شفاء العليل (١/ ٢٢٩)، شرح الطحاوية (١/ ١٣٧)، لوامع الأنوار البهية (١/ ٣٣٤).
(٤) شفاء العليل (١/ ٢٢٩).

<<  <   >  >>