للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القضاء ما يُسخط، كما أنّ من الأعيان المقضيّة ما يُغضب عليه ويُمقت ويُلعن ويُذمّ.

ويُقال ثانيًا: هنا أمران: قضاء الله، وهو فعل قائم بذات الله تعالى، ومقضي، وهو المفعول المنفصل عنه، فالقضاء كلّه خير وعدل وحكمة، فيرضى به كلّه، والمقضي قسمان: منه ما يرضى به، ومنه ما لا يرضى به.

ويقال ثالثًا: القضاء له وجهان:

أحدهما: تعلّقه بالرّبّ تعالى ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به.

والوجه الثاني: تعلّقه بالعبد ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به، وإلى ما لا يرضى به ... " (١).

وبما سبق تقريره يتبيّن صحّة كلام ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في الرّضا بالقضاء وبيان حكمه، وعدم منافاة القضاء بالمعاصي للإيمان بالقضاء والقدر.

[الثانية: من حيث الاحتجاج به عليها]

يقول ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ: "لا عذر لعاص يحتج على الله تعالى فيما يسوق إليه القضاء والقدر من المعاصي؛ لأنّ الله تعالى أجرى عادته الإلهيّة في هذا العالم على أسباب ومسبّبات تناط بتلك الأسباب ...

فإن قلت: ينافيه احتجاج آدم بالقضاء والقدر في قصّته المشهورة مع موسى على نبيّنا وعليهما الصّلاة والسّلام (٢) ...

قلت: لا ينافيه؛ لأنّ الاحتجاج بالقدر إن كان قبل الوقوع في الذّنب ليكون وسيلة للوقوع فيه لم يجز، وإن كان بعد الوقوع فيه وقبل أن يستوفي


(١) شرح الطحاوية (١/ ٣٣٦).
(٢) يشير إلى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "احتجّ آدم وموسى، فقال
موسى: يا آدم أنت أبونا، خيبتنا، وأخرجتنا من الجنّة، فقال له آدم: أنت موسى، اصطفاك الله بكلامه، وخطّ لك بيده، أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ " فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى".
والحديث أخرجه البخاري، كتاب القدر، باب تحاجّ آدم وموسى (٤/ ٢٠٦٨) برقم (٦٦١٤)، ومسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهم السلام (٤/ ٢٠٤٢ - ٢٠٤٣) برقم (٢٦٥٢).

<<  <   >  >>