للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه ما وجب عليه به ليمنع بذلك مؤاخذته به لم يجز أيضًا، وإن كان لا ليمنع ذلك بل ليمنع تعييره به ساغ له ذلك كما صرّح به قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فحجَّ آدم موسى"" (١).

التّقويم:

القضاء بالمعاصي لا ينافي وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، والاحتجاج به عليها باطل في الشّرع والعقل (٢).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ: "ليس لأحد أن يحتجّ بالقدر على الذّنب باتّفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإنّ هذا لو كان مقبولًا لأمكن كلّ أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النّفوس، وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض ويحتجّ بالقدر.

ونفس المحتجّ بالقدر إذا اعتدي عليه، واحتجّ المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدلّ على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بداية العقول" (٣).

وأمّا حديث احتجاج آدم وموسى عليهم السلام الذي أشار إليه ابن حجر في كلامه السّابق، فقد اختلفت مواقف النّاس تجاهه، وتعدّدت مذاهبهم فيه، وكثرت إجاباتهم عنه (٤).

والصّحيح أنّ الحديث لا دلالة فيه لمن احتجّ بالقدر على المعصية؛ ووجه ذلك أنّ الحديث يحتمل أحد أمرين:


(١) المنح المكية (٣/ ١٣٦٢ - ١٣٦٥)، وانظر: فتح المبين (ص ٢٠٠).
(٢) انظر: التمهيد (١٨/ ١٥)، مجموع الفتاوى (٨/ ٢٦٢ - ٢٦٨)، منهاج السنة (٣/ ٦٥ - ٧٨)، اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٨٥٨ - ٨٥٩)، شفاء العليل (١/ ٩٢ - ٩٣)، دفع الشبهة والغرر عمن يحتج على فعل المعاصي بالقدر لمرعي الكرمي (ص ٨٦).
(٣) مجموع الفتاوى (٨/ ١٧٩).
(٤) انظر: المصدر السابق (٨/ ٣٠٣ - ٣٠٥)، درء التعارض (٨/ ٤١٨ - ٤٢٠)، شفاء العليل (١/ ٨١ - ٩٤)، فتح الباري (١١/ ٥٠٩ - ٥١٠)، إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة للصنعاني (٢/ ٧٠٤)، دفع الشبهة والغرر (ص ٨٠)، لوامع الأنوار البهية (١/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>