للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يدل على أن المراد بالتوسل في الحديث طلب دعائه -صلى الله عليه وسلم- لا التوسل بذاته أو جاهه أو حقه أمران:

أ- الأحاديث الواردة في الاستسقاء، ومنها ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة من باب نحو دار القضاء- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب- فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ... " الحديث" (١).

فدل هذا الحديث دلالة قوية ظاهرة على أن توسلهم به -صلى الله عليه وسلم- كان توسلًا بدعائه، لا بجاهه، وهذا ظاهر من قوله: "فادع الله لنا".

ب- أن توسل عمر بن الخطاب بالعباس -رضي الله عنه- كان توسلًا بدعائه لا بذاته، فإن العباس لَمّا استسقى به عمر قال: "اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث ... " (٢) (٣)

٢ - أن عدول عمر -رضي الله عنه - عن التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته بطلب الدعاء منه أو التوسل بذاته أو جاهه وحقه إلى التوسل بالعباس -رضي الله عنه- وإقرار الصحابة له دليل على عدم جواز ذلك؛ إذ لا يمكن أن يتوسلوا بالمفضول ويدعوا الفاضل، خاصة مع جدبهم وحاجتهم، فالدليل حجة عليه لاله (٤).


(١) أخرجه البخاري، كتاب الاستسفاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة (١/ ٣٠٣) برقم (١٠١٤)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء (٢/ ٦١٢) برقم (٨٩٧) من حديث أنس -رضي الله عنه- به.
(٢) أخرجه الزبير بن بكار في الأنساب كما في فتح الباري (٢/ ٥٧٧).
(٣) انظر: التوسل للألباني (ص ٥٦ - ص ٦٨).
(٤) انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص ٨٢)، تلخيص الاستغاثة (ص ١٢٦)، اللمعة في الأجوبة السبعة (ص ٥٠).

<<  <   >  >>