للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجواب عن ذلك (١)، فكان منهم من تأول سماع كلام الله بخلق فهمه في القلب وسمعه في الآذان لا سماعه حقيقة، وهو القول الذي ارتضاه ابن حجر وعزاه إلى أهل السنة يريد بهم من قال به من الأشاعرة.

والحق أن كلام الله بصوت وحرف، وأنه مسموع على الحقيقة تارة بلا واسطة، وتارة من المبلغ عنه.

يقول العلامة ابن القيم رحمهُ اللهُ: "قال أهل السنة والحديث: يسمع كلامه سبحانه منه تارة بلا واسطة كما سمعه موسى وجبرائيل وغيره، وكما يكلم عباده يوم القيامة، ويكلم أهل الجنة، ويكلم الأنبياء في الموقف، ويسمع من المبلغ عنه كما سمع الأنبياء الوحي من جبرائيل تبليغًا عنه، وكما سمع الصحابة القرآن من الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الله، فسمعوا كلام الله بواسطة المبلغ، وكذلك نسمع نحن بواسطة التالي ... " (٢).

وأما ما ذكره ابن حجر من كون معنى سماع كلامه سبحانه خلق فهمه في القلب وسمعه في الآذان لا سماعه حقيقة، وعزوه ذلك إلى أهل السنة فهو باطل من وجوه:

١ - أن تأويل سماع كلام الله بخلق فهمه في القلب مُعَارض بما ورد في النصوص من التفريق بين الإيحاء إلى سائر النبيين وبين تكليم الله لموسى كقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًاإِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)} [النساء: ١٦٣ - ١٦٤].

"ففرق بين إيحائه إلى سائر النبيين، وبين تكليمه لموسى ... فلو كان تكليمه لموسى إلهامًا، ألهمه موسى من غير أن يسمع صوتًا، لم يكن فرق بين الإيحاء إلى غيره والتكليم له؛ فلما فرق القرآن بين هذا وهذا، وعُلم بإجماع الأمة ما استفاضت به السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من تخصيص موسى


(١) انظر: أبكار الأفكار (١/ ٣٦٧).
(٢) مختصر الصواعق المرسلة (٢/ ٣٣٠ - ٣٣١).

<<  <   >  >>