للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد - صلى الله عليه وسلم - (١)، وهو ما يقرره ابن حجر - رَحِمَهُ الله - وأسلافه من الأشاعرة - وقد سبق نقل قوله في ذلك والرد عليه - (٢).

٦ - أن القول بأن معنى نزول القرآن أن جبريل أخذه بالتلقي الروحاني، أو من اللوح المحفوظ يلزم منه لوازم باطلة:

إذ يلزم من قال بأن معنى ذلك تلقي جبريل له روحانيًا أن يكون جبريل ألهمه إلهامًا، وهذا الإلهام يكون لآحاد المؤمنين، كما قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: ٧]، وقد أوحى الله إلى سائر النبيين، فيكون هذا الوحي لآحاد الأنبياء والمؤمنين أعلى من أخذ محمد القرآن عن جبريل؛ لأن جبريل الذي علمه لمحمد هو بمنزلة الواحد من هؤلاء (٣).

كما أنه يلزم من قال بأن معنى نزوله أن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ أن يكون بنو إسرائيل الذين أخذوا التوراة من الألواح التي كتبها الله لموسى أعلى منزلة من محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أخذ القرآن من جبريل الذي أخذه من اللوح المحفوظ (٤).

وعليه فالقول الصحيح هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من كون القرآن الكريم نزل من عند الله لفظًا ومعنى، وتكلم به سبحانه على الحقيقة وسمعه جبريل منه، وبلغه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كما سمعه، والقول بذلك لا ينافي كتابته في اللوح المحفوظ ونزوله جملة إلى بيت العزة في السماء الدنيا قبل نزول جبريل به منجمًا على محمد - صلى الله عليه وسلم -.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ الله - مقررًا ذلك: "وهذا لا ينافي ما جاء عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)} [القدر: ١] أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزله بعد ذلك منجمًا مفرقًا بحسب الحوادث، ولا ينافي أنه مكتوب في اللوح المحفوظ


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٢/ ١٣٦، ٥٢١).
(٢) انظر: (ص ٣٢٧).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (١٢/ ١٢٨).
(٤) انظر: المصدر السابق (١٢/ ١٢٧).

<<  <   >  >>