للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اختلف الناس في الخوض فيها بناء على اختلافهم في المراد بالروح التي وقع السؤال عنها في قوله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)} [الإسراء: ٨٥] (١).

فمن فسرها بروح الإنسان التي بها حياته، أمسك عن الكلام فيها، ومن فسرها بغيرها خاض في ذلك (٢).

واختلف الخائضون في بيان حقيقتها، وتعددت مذاهبهم في ماهيتها.

يقول العلامة السفاريني - رحمه الله -: "اختلف الناس في حقيقة الروح؛ وهل هي النفس أو غيرها، وهل هي جزء من البدن، أو عرض من أعراضه، أو جسم مساكن له مودع فيه، أو جوهر مجرد؟

وقد تكلم الناس في هذه المسائل من سائر الطوائف، واضطربت فيها أقوالهم، وكثر فيها خطؤهم، ومن الناس من أمسك عن الكلام والخوض فيها لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)} [الإسراء: ٨٥]، وهدى الله أتباع الرسول وسلف الأمة وأهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

قال ابن القيم بعد ما ساق أقوال الناس في حقيقة الروح: "والصحيح أن الروح جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الوِرْد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي هذا الجسم اللطيف متشابكًا بهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحسن والحركة والإرادة، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط عليها


(١) انظر: تفسير ابن جرير (٨/ ١٤١)، تفسير السمعاني (٣/ ٢٧٤)، تفسير البغوي (٥/ ١٢٥)، تفسير القرطبي (١٠/ ٣٢٣)، تفسير ابن كثير (٣/ ٦٨).
(٢) انظر: فتح الباري (١/ ٢٢٤) (٨/ ٤٠٢ - ٤٠٤).

<<  <   >  >>