للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه" (١).

وقد قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: ١]، ولو كان قد رآه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.

وكذا قوله: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢)} [النجم: ١٢]، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)} [النجم: ١٨]، ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.

وفي الصحيحين عن ابن عباس في قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: ٦٠] قال: "هي رؤيا عين أريها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به" (٢) وهذه رؤيا الآيات؛ لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه" (٣).

وأما ما قرره ابن حجر من القول بالرؤية البصرية فهو قول مرجوح، واستدلاله بما ذكر لا يُسلَّم له، وبيان ذلك فيما يلي:

أ- أما ما ذكره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- فالجواب عنه:

أن الروايات عن ابن عباس متعددة، ورواتها اختلفوا عليه فيها، والثابت عنه إطلاق الرؤية أو تقييدها بالفؤاد، وما عداهما ضعيف لا يثبت (٤).

يقول الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: "قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ


(١) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: "نور أنا أراه" (١/ ١٦١) برقم (٢٩١).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (٣/ ١٤٦١) برقم (٤٧١٦).
(٣) مجموع الفتاوى (٦/ ٥٠٩ - ٥١٠).
(٤) انظر: سياق الروايات عنه وتخريجها في مجموع الفتاوى (٦/ ٥٠٩)، زاد المعاد (٣/ ٣٧)، تفسير ابن كثير (٤/ ٢٦٣)، الغنية في مسألة الرؤية (ص ٣١).

<<  <   >  >>