للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محاسنهم ومناقبهم، وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه، من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان الذين مدحهم الله - عز وجل - بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] " (١).

والقول بذلك هو ما عليه أهل السنة والجماعة قاطبة قولًا وعملًا (٢).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللهُ - في تقرير عقيدتهم: "ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساويهم: منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه.

والصحيح منه: هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.

وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم ...

ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كُفِّرَ به عنه.

فإذا كان هذا في الذنوب المحققة؛ فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور.

ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل مغمور في جنب فضائل


(١) الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم (ص ٣٤٧).
(٢) انظر: الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم (ص ٣٤١ - ٣٤٢، ٣٦٣)، الشرح والإبانة (ص ٢٦٨)، تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق لأبي يعلى (ص ٨٥ - ٨٨)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص ٢٩٤)، مجموع الفتاوى (٣/ ١٥٢ - ١٥٦)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٩٢)، اختصار علوم الحديث (٢/ ٤٩٨ - ٥٠١)، شرح الطحاوية (٢/ ٧٢٢ - ٧٢٥)، معارج القبول (٣/ ١٢٠٨).

<<  <   >  >>