للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو صفة يميز بها بين الحسن والقبيح، وهو معنى قول الشافعي - رضي الله عنه - إنه كآلة التمييز" (١).

وهو بهذا يوافق جمهور السلف في تعريفهم له، خلافًا لمن قال بغير ذلك من المتكلمين (٢).

وقد جعل - ابن حجر - عفا الله عنه - العقل مصدرًا مستقلًا، وعارض به النقل، وقدمه عليه، حيث قال: "وكالنص، حكم العقل القطعي، فالاعتقاد المستند إليه صحيح، وإن لم يرد فيه نص، بل لو ورد النص بخلافه، وجب تأويل النص إليه، كآيات الصفات وأحاديثها؛ إذ ظاهرها محال على الله عقلًا، فوجب صرفها عنه بتأويلها بما يوافق العقل" (٣).

وما قرره - غفر الله له - متعقب بأن المسائل العقدية لا يستقل العقل بإدراكها، فضلًا عن أن يستقل بالدلالة عليها.

يقول شيخ الإسلام - ابن تيمية - رَحِمَهُ اللَّه -: "العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال، وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلًا بذلك، لكنه غريزة في النفس، وقوة فيها، بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار، وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها، وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أمورًا حيوانية ...

فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة ... لكن المسرفين فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقًّا وهي باطل، وعارضوا به النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدقوا بأشياء باطلة، ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة، وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم" (٤).


(١) العمدة في شرح البردة (ص ٢٧٥).
(٢) انظر: بغية المرتاد لابن تيمية (ص ٢٥٧) وما بعدها، مجموع الفتاوى (١٨/ ٣٣٨)، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية أيضًا (١/ ٩)، المسودة (ص ٥٥٨).
(٣) المنح المكية (٢/ ٨٦٨).
(٤) مجموع الفتاوى (٣/ ٣٣٨ - ٣٣٩)، وانظر: درء تعارض العقل والنقل (٥/ ٢٤٤)، =

<<  <   >  >>