للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما ما لا ينافي ذلك بأن شهد له شيء من أدلة الشرع أو قواعده فليس يرد على فاعله بل هو مقبول منه، وذلك كبناء نحو الربط وخانات السبيل وسائر أنواع البر التي لم تعهد في الصدر الأول فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى، وكالتصنيف في جميع العلوم النافعة الشرعية على اختلاف فنونها ... وككتابة القرآن في المصاحف ووضع المذاهب وتدوينها ...

ومن ثم استجاز كثير من الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - كما وقع لأبي بكر وعمر وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - في جمع القرآن، فإن عمر أشار به على أبي بكر خوفًا من اندراس القرآن بموت الصحابة - رضي الله عنهم - لَمّا كثر فيهم القتل يوم اليمامة وغيره، فتوقف لكونه صورة بدعة ثم شرح الله صدره لفعله لأنه ظهر له أنه يرجع إلى الدين وأنه غير خارج عنه ...

وكما وقع لعمر - رضي الله عنه - في جمع الناس لصلاة التراويح في المسجد مع تركه - صلى الله عليه وسلم - لذلك بعد أن كان فعله ليالي، وقال - أعني: عمر -: نعمت البدعة هي، أي لأنها وإن أحدثت ليس فيها رد لِمَا مضى بل موافقة له؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - علل الترك بخشية الافتراض، وقد زال ذلك بوفاته - صلى الله عليه وسلم -.

وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه -: "ما أحدث وخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا فهو البدعة الضالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئًا من ذلك فهو البدعة المحمودة" (١).

والحاصل أن البدعة الحسنة متفق على ندبها وهي ما وافق شيئًا مما مرّ ولم يلزم من فعله محذور شرعي ... وأن البدعة السيئة هي ما خالف شيئًا من ذلك صريحًا أو التزامًا ... " (٢).


(١) أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (١/ ٢٢٦) برقم (٢٥٣)، ومناقب الشافعي له (١/ ٤٦٩). وأخرجه بنحوه أبو نعيم في الحلية (٩/ ١١٣).
(٢) فتح المبين (ص ١٠٧ - ١٠٨).

<<  <   >  >>