للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: "أن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو في نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة، لَمَا كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلًا في عمومٍ الأعمال المأمور بها أو المخير فيها، فالجمع بين عد تلك الأشياء بدعًا وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين.

أما المكروه والمحرم منها فمسلم من جهة كونها بدعًا لا من جهة أخرى؛ إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته لم يثبت ذلك كونه بدعة لإمكان أن يكون معصية كالقتل، والسرقة، وشرب الخمر، ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم البتة، إلا الكراهية والتحريم" (١).

ثالثًا: أن جميع الأمثلة التي مثل بها ابن حجر - غفر الله له - لا تصح دليلًا على التقسيم المذكور، سوى مثاله للبدع المحرمة.

"أما قسم الواجب: فجميع ما ذكر فيه من أمثلة من قبيل المصالح المرسلة (٢) لا من قبيل البدعة المحدثة، والمصالح المرسلة قد عمل بمقتضاها السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم، فهي من الأصول الفقهية الثابتة عند أهل الأصول وإن كان فيها خلاف بينهم، ولكن لا يُعد ذلك قدحًا على ما نحن فيه ...

وأما قسم المندوب: فليس من البدع بحال، ويتبين ذلك بالنظر في الأمثلة التي مثل لها ...

وأما القسم المباح: فليست في الحقيقة من البدع، بل هي من باب التنعم، ولا يقال فيمن تنعم بمباح إنه قد ابتدع ...


(١) الاعتصام (١/ ١٩١).
(٢) المراد بالمصالح المرسلة: "كل منفعة داخلة في مقاصد الشارع الكلية دون أن يكون لها شاهد جزئي بالاعتبار أو الإلغاء".
انظر: المحصول (١/ ٢١٨)، المستصفى (١/ ٢٨٤)، الاعتصام (٢/ ١١٤)، المصالح المرسلة للشنقيطي (ص ٩ - ١٠)، وللاستزادة: البدعة والمصالح المرسلة للدكتور توفيق الواعي (ص ٢٤١) وما بعدها.

<<  <   >  >>