الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (سِتَّةٌ) وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ. فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ الَّذِي شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ يُضْرَبُ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَقَطْ: الْأَوَّلُ الْحَجْرُ عَلَى (الصَّبِيِّ) أَيْ الصَّغِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مُمَيِّزًا إلَى بُلُوغِهِ، فَيَنْفَكُّ بِلَا قَاضٍ لِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ بِلَا قَاضٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ زَوَالُهُ عَلَى فَكِّ قَاضٍ. وَعَبَّرَ فِي الْمِنْهَاجِ كَكَثِيرٍ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ مَنْ عَبَّرَ بِالثَّانِي أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا، وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ. (وَ) الثَّانِي: الْحَجْرُ عَلَى (الْمَجْنُونِ) إلَى إفَاقَتِهِ مِنْهُ فَيَنْفَكُّ بِلَا فَكِّ قَاضٍ كَمَا مَرَّ فِي الصَّبِيِّ. (وَ) الثَّالِثُ الْحَجْرُ عَلَى الْبَالِغِ (السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ لِمَالِهِ) كَأَنْ يَرْمِيَهُ فِي بَحْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ يُضَيِّعَهُ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي مُعَامَلَةٍ أَوْ يَصْرِفَهُ فِي مُحَرَّمٍ، لَا فِي خَيْرٍ كَصَدَقَةٍ، وَلَا فِي نَحْوِ مَطَاعِمَ، وَمَلَابِسَ وَشِرَاءِ إمَاءٍ كَثِيرَةٍ لِلتَّمَتُّعِ وَإِنْ لَمْ تَلِقْ بِحَالِهِ لِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ وَيُلْتَذَّ بِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. نَعَمْ إنْ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاقْتِرَاضِ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوَفِّيهِ بِهِ فَحَرَامٌ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السَّفِيهَ بِالْمُبَذِّرِ وَالضَّعِيفَ بِالصَّبِيِّ وَبِالْكَبِيرِ الْمُخْتَلِّ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ تَنُوبُ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ. وَالْإِمْلَالُ بِمَعْنَى الْإِلْقَاءِ عَلَى الْكَاتِبِ مَا يَكْتُبُهُ وَفِعْلُهُ أَمْلَلْت، ثُمَّ أُبْدِلَ أَحَدُ الْمُضَاعَفَيْنِ يَاءً وَتَبِعَهُ الْمَصْدَرُ وَأُبْدِلَتْ هَمْزَةً لِتَطَرُّفِهَا بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ،. اهـ. شِهَابٌ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ. وَأَقُولُ: هَذَا التَّصْرِيفُ لَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْإِمْلَالَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْإِمْلَاءَ لُغَةُ تَمِيمٍ؛ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِنْدَ قَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ: وَالْإِمْلَالُ وَالْإِمْلَاءُ وَاحِدٌ اهـ. فَكَيْفَ يَرْجِعُ أَحَدُ اللُّغَتَيْنِ لِلْأُخْرَى مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ الْإِتْيَانُ بِاللَّامَيْنِ بِلَا إبْدَالٍ فِي قَوْلِهِ: {أَنْ يُمِلَّ} [البقرة: ٢٨٢] {وَلْيُمْلِلِ} [البقرة: ٢٨٢] فَيَكُونُ الْقُرْآنُ جَارِيًا عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِيِّينَ؟ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (يَضْرِبُ) لَوْ أَبْدَلَهُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِنَحْوِ " يَتَعَلَّقُ " أَوْ " يُوجَدُ " لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، إذْ لَا ضَرْبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ق ل. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ غَلَبَ مَا فِيهِ ضَرْبٌ عَلَى مَا لَا ضَرْبَ فِيهِ أج.
قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا سِتَّةٌ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ اللَّفْظِيِّ، وَهُوَ مَعِيبٌ.
قَوْلُهُ: (أَرَادَ الْإِطْلَاقَ) أَيْ الِانْفِكَاكَ.
قَوْلُهُ: (وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ) لِأَنَّ السَّفِيهَ يَصِحُّ مِنْهُ التَّدْبِيرُ وَقَبُولُ الْهِبَةِ لِبَعْضِهِ وَالْوَصِيَّةُ وَالصُّلْحُ عَنْ قِصَاصٍ وَلَوْ بِزَائِدٍ عَلَى الدِّيَةِ وَالْعَفْوُ عَنْ قِصَاصٍ لَهُ وَالنِّكَاحُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَالطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ؛ شَوْبَرِيٌّ وع ش. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ، أَيْ السَّفِيهِ بِمُوجَبِ عُقُوبَةٍ كَحَدٍّ وَقَوَدٍ وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ بَدَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَالِيَّةً وَاجِبَةً؛ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا بِلَا إذْنٍ مِنْ وَلِيِّهِ وَلَا تَعْيِينٍ مِنْهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (الْمُبَذِّرِ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا وَحَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، أَوْ بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِمَالِهِ وَدِينِهِ. وَهَذَا الثَّانِي مَحْجُورٌ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَالْأَوَّلُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ حِسًّا وَشَرْعًا، وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ وَدِينِهِ ثُمَّ بَذَّرَ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ أَيْضًا لَكِنْ تَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ وَيُقَالُ لَهُ سَفِيهٌ مُهْمِلٌ. أَمَّا مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ بِاخْتِلَالِ إصْلَاحِ الدِّينِ أَوْ الْمَالِ فَإِنَّ وَلِيَّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ فَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِمَفْهُومِ آيَةِ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] وَالْإِينَاسُ هُوَ الْعِلْمُ،. اهـ. ش مَنْهَجٌ.
قَوْلُهُ: (بِاحْتِمَالِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ.
قَوْلُهُ: (غَبْنٍ فَاحِشٍ) وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ؛ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً بِتِسْعَةٍ أَيْ: عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَا دَنَانِيرَ. وَمَحِلُّ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ عِنْدَ جَهْلِهِ بِحَالِ الْمُعَامَلَةِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَأَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ الزَّائِدُ صَدَقَةً خَفِيَّةً مَحْمُودَةً، شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَصْرِفُهُ فِي مُحَرَّمٍ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ.
قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّتُهُ) أَيْ التَّعْلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " لِأَنَّ الْمَالَ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (فَحَرَامٌ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَعْرِضْ الْمُقْرِضُ بِحَالِهِ، فَإِنْ