للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) النَّوْعُ الثَّانِي الَّذِي شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ يُضْرَبُ عَلَى (الْمُفْلِسِ) وَهُوَ الَّذِي ارْتَكَبَتْهُ الدُّيُونُ الْحَالَّةُ اللَّازِمَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى مَالِهِ إذَا كَانَتْ لِآدَمِيٍّ، فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وُجُوبًا فِي مَالِهِ إنْ اسْتَقَلَّ، أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِطَلَبِهِ أَوْ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ بِنُوَّابِهِمْ كَأَوْلِيَائِهِمْ، فَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ. وَإِذَا حَجَرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَقْصُودٌ لَهُ. فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ. وَلَوْ جُنَّ الْمَدْيُونُ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْحُلُولِ بِهِ نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَوْتِ أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحَرْبِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَلَا بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَنُجُومِ كِتَابَةٍ لِتَمَكُّنِ الْمَدْيُونِ مِنْ إسْقَاطِهِ، وَلَا بِدَيْنٍ مُسَاوٍ لِمَالِهِ أَوْ نَاقِصٍ عَنْهُ، وَلَا بِدَيْنٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ مَالُهُ الْعَيْنِيُّ أَوْ الدَّيْنِيُّ الَّذِي يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْغَائِبِ وَنَحْوِهِمَا.

وَيُبَاعُ فِي الدُّيُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَمَرْكُوبُهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ أَوْ مَرْكُوبٍ لِزَمَانَتِهِ أَوْ مَنْصِبِهِ لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا بِالْكِرَاءِ أَسْهَلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتُرِكَ لَهُ دِسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَمِنْدِيلُ وَمُكَعَّبٌ، وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً أَوْ فَرْوَةً. وَلَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَانَ عَالِمًا فَلَا حُرْمَةَ ع ش.

قَوْلُهُ: (الْمُفْلِسِ) هُوَ لُغَةً مَنْ صَارَ مَالُهُ فُلُوسًا ثُمَّ كُنِّيَ بِهِ عَنْ قِلَّةِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ، وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمُفْلِسُ فِي الْآخِرَةِ مَنْ تُعْطَى حَسَنَاتُهُ لِخُصَمَائِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ.

فَائِدَةٌ: قِيلَ الْغُرَمَاءُ يَتَعَلَّقُونَ بِحَسَنَاتِ الْمُفْلِسِ مَا عَدَا الْإِيمَانَ كَمَا يُتْرَكُ فِي الدُّنْيَا دِسْتُ ثَوْبٍ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا تَوْقِيفِيٌّ فَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَقِيلَ مَا عَدَا الصَّوْمَ لِخَبَرِ: «الصَّوْمُ لِي» وَيَرُدُّهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ حَتَّى بِالصَّوْمِ اهـ حَجّ.

قَوْلُهُ: (الْحَالَّةُ) الْقُيُودُ أَرْبَعَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيُمَوِّنُ الْقَاضِي مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ مُمَوِّنَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَزَوْجَاتِهِ اللَّاتِي نَكَحَهُنَّ قَبْلَ الْحَجْرِ وَمَمَالِيكِهِ كَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَأَقَارِبِهِ وَإِنْ حَدَثُوا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (فِي مَالِ مُوَلِّيهِ) فَإِنْ قُلْت: مُوَلِّيهِ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فَمِنْ أَيْنَ لَزِمَهُ الدَّيْنُ؟ وَيُصَوَّرُ بِدَيْنِ الْإِتْلَافِ ع ش.

قَوْلُهُ: (بِطَلَبِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ " وَالْحَاجِرُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَحْوُ مَنَعْتُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِ أَوْ حَجَرْت عَلَيْهِ فِيهَا أَوْ أَبْطَلْت تَصَرُّفَاتِهِ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ) أَيْ لَمْ يَصِرْ حَالًّا.

قَوْلُهُ: (الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَوْتِ) فَيَتَبَيَّنُ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا الْحُلُولُ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحَرْبِيِّ " أَيْ وَكَانَ الدَّيْنُ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَيَقْضِي مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ رَقِّهِ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ فِي بَابِ الْجِهَادِ، وَلَا يَمْلِكُ الْغَانِمُونَ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى دَيْنِهِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا) كَالنَّذْرِ الْمُقَيَّدِ بِزَمَنٍ وَالْكَفَّارَةِ الَّتِي عَصَى بِسَبَبِهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: " الزَّائِدَةُ عَلَى مَالِهِ "، وَقَوْلُهُ: " الَّذِي يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ حَالًّا " بِأَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ حَاضِرَةً غَيْرَ مَرْهُونَةٍ وَالدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مُوسِرٍ أَوْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَهُوَ حَاضِرٌ، اهـ ح ل وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ إلَخْ " جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ، كَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَا الْمَالُ الَّذِي يُعْتَبَرُ زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ الْمَالُ الْعَيْنِيُّ أَوْ الدَّيْنِيُّ الَّذِي يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ؛ بِخِلَافِ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُقَابَلَةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ تَعَدَّى الْحَجْرُ لِمَالِهِ كُلِّهِ سَوَاءٌ تَيَسَّرَ مِنْهُ الْأَدَاءُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ أَعْيَانًا أَوْ مَنَافِعَ وَيَتَعَدَّى لِمَا حَدَثَ أَيْضًا بِهِبَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ فِي ذِمَّةٍ أَوْ كَسْبٍ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ) بِأَنْ كَانَ يَسْتَحِقُّهَا بِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَحْصِيلِ أُجْرَتِهَا حَالًّا وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ م ر. وَقَوْلُهُ: " وَالْمَغْصُوبِ " أَيْ الَّذِي لَا يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ حَالًّا ح ل. وَقَوْلُهُ " وَالْغَائِبِ " أَيْ الَّذِي لَا يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ فِي الْحَالِّ، شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَالْغَائِبِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِمَا) كَالْمَرْهُونِ، وَكَذَا دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَوْ حَالٌّ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ مَلِيءٍ مُنْكِرٍ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَنَحْوُهُمَا، أَيْ الْمَغْصُوبِ وَالْغَائِبِ؛ وَلَمْ يَقُلْ وَنَحْوَهَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا نَحْوَ لَهَا.

قَوْلُهُ: (وَيُبَاعُ) أَيْ بَعْدَ الْحَجْرِ وُجُوبًا عَلَى الْقَاضِي فَوْرًا، وَيَكُونُ الْبَيْعُ بِحَضْرَتِهِ أَيْضًا أَيْ الْمُفْلِسِ وَيُبَاعُ كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ وَيُقَدَّمُ مَا يُخَافُ فَسَادُهُ، ثُمَّ الْحَيَوَانُ ثُمَّ الْمَنْقُولُ ثُمَّ الْعَقَارُ.

قَوْلُهُ: (أَسْهَلُ) أَيْ مِنْ إبْقَائِهَا وَإِبْقَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ أَغْنِيَائِهِمْ.

قَوْلُهُ: (وَيُتْرَكُ لَهُ) وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>