يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] وَإِذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، أَوْ قَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا مَا زَعَمَهُ، فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِإِعْسَارِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَبِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ لَزِمَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ سَوْءًا أَكَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (دِسْتُ ثَوْبٍ) أَيْ كِسْوَةٌ كَامِلَةٌ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ الدَّسْتُ اسْمٌ لِلرِّزْمَةِ أَيْ الْجُمْلَةِ مِنْ الثِّيَابِ. وَعَلَيْهِ فَإِضَافَتُهُ لِثَوْبٍ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالثَّوْبِ الْجِنْسُ أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّيَابِ، وَيُقَالُ لَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بَدْلَةٌ قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الدَّسْتُ.
قَوْلُهُ: (وَسَرَاوِيلُ) أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْبَسُ ذَلِكَ ح ل. وَهُوَ مُفْرَدٌ جِيءَ بِهِ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ الْمَنْعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَأْنِيثِهِ. وَأَوَّلُ مَنْ لَبِسَهُ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، «وَوُجِدَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَاسٌ اشْتَرَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَلْبَسْهُ» أَيْ النَّبِيُّ وَلَمْ يَلْبَسْهُ عُثْمَانُ أَبَدًا إلَّا يَوْمَ قَتْلِهِ فَإِنَّهُ لَبِسَهُ وَقَالَ: " رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالُوا لِي: اصْبِرْ فَإِنَّك تُنْقَلُ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ، " فَأَصْبَحَ عُثْمَانُ صَائِمًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُتِلَ فِي يَوْمِهِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ،. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَمُكَعَّبٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ مُثَقَّلًا وَبِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مُخَفَّفًا وَهُوَ الْمَدَاسُ.
قَوْلُهُ: (وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةٌ) أَيْ إنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِيهِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الشِّتَاءِ فِي الْحَجْرِ عَلَى مَا اسْتَوْجَهَهُ، سم شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ ع ش: قَوْلُهُ " فِي الشِّتَاءِ " أَيْ وَإِنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي الصَّيْفِ. وَلَا يُنَافِيهِ تَعْبِيرُهُمْ بِ " فِي " لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ بِدَلِيلِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَيُزَادُ لِلْبَرْدِ،. اهـ. حَجّ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُ ذَلِكَ. اهـ. م ر. أَيْ فَلَا يُعْطَى ذَلِكَ إلَّا إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ دَخَلَ الشِّتَاءُ زَمَنَ الْحَجْرِ اهـ. وَيُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ مَا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهَا بِمَوْقُوفٍ، وَلِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَكُلُّ مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَالِهِ اشْتَرَى لَهُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. بِخِلَافِ آلَاتِ الْحِرَفِ فَلَا تُتْرَكُ، وَمِثْلُهَا رَأْسُ مَالٍ لِلتِّجَارَةِ، شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ م ر: قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يُتْرَكُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ إلَّا بِهِ، اهـ. وَفِي الزِّيَادِيِّ: وَلَا رَأْسَ مَالٍ وَإِنْ قَلَّ، وَقَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: يُتْرَكُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ إلَّا بِهِ، حَمَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى تَافِهٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هُنَا عِنْدَ تَعَدُّدِ النُّسَخِ مَا يَأْتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ لَكِنَّهَا تُبَاعُ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَرِّسًا فَيَبْقَى لَهُ نُسْخَتَانِ لِأَجْلِ الْمُرَاجَعَةِ، وَيُبَاعُ الْمُصْحَفُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَسْهُلُ مُرَاجَعَةُ الْحَفَظَةِ فَلَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا حَافِظَ فِيهِ تُرِكَ لَهُ،. اهـ. شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ) مَحَلُّهُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَعْصِ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ عَصَى بِسَبَبِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لَهُ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ وَلَوْ بِغَيْرِ لَائِقٍ بِهِ كَمَا قَالَهُ أج. وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ " وَلَا يَجِبُ إلَخْ " وَإِنْ عَصَى مِنْ حَيْثُ الدَّيْنُ وَإِنْ وَجَبَ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] أَيْ وَإِنْ وُجِدَ غَرِيمٌ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ أَيْ فَالْحُكْمُ نَظِرَةٌ، أَوْ فَعَلَيْكُمْ نَظِرَةٌ، أَوْ فَلْيَكْفِ نَظِرَةٌ وَهِيَ الْإِنْظَارُ،. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ. وَالْإِنْظَارُ: التَّأْخِيرُ. وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَيْنُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَيُؤَخِّرُهُ إلَّا كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَيْضًا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ: (وَأَنْكَرُوا مَا زَعَمَهُ) مُرَادُهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ مَا ادَّعَاهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) أَيْ إنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ تُخْبِرُ بَاطِنَهُ بِجَوَازِهِ مَثَلًا كَمَا فِي الْمَنْهَجِ؛ وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ " لِأَنَّهُ بِشِرَائِهِ وَاعْتِرَافِهِ بِذَلِكَ عُرِفَ لَهُ مَالٌ فَاحْتَاجَ فِي إثْبَاتِ إعْسَارِهِ لِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ وَفِيمَا إذَا لَزِمَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ عِلْمَ مَالٍ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute