للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَفْعَلَ فِي الْأَوَّلِ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ. وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ لِيُعْرَفَ رُشْدُهُ وَعَدَمُ رُشْدِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِآيَةِ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] وَالْيَتِيمُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ فَوْقَ مَرَّةٍ، بِحَيْثُ يُظَنُّ رُشْدُهُ فَلَا تَكْفِي الْمَرَّةُ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِيهَا اتِّفَاقًا. أَمَّا فِي الدِّينِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ بِقِيَامِهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِهِ الْمَحْظُورَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَيَخْتَلِفُ بِمَرَاتِبِ النَّاسِ، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ تَاجِرٍ بِمُشَاحَّةٍ فِي مُعَامَلَةٍ وَيُسَلَّمُ لَهُ الْمَالُ لِيُشَاحِحْ لَا لِيَعْقِدَ، ثُمَّ إنْ أُرِيدَ الْعَقْدُ عَقَدَ وَلِيُّهُ. وَيُخْتَبَرُ وَلَدُ زُرَّاعٍ بِزِرَاعَةٍ وَنَفَقَةٍ عَلَيْهَا بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْقِوَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ. وَالْمَرْأَةُ بِأَمْرِ غَزْلٍ وَصَوْنٍ نَحْوُ أَطْعِمَةٍ عَنْ نَحْوِ هِرَّةٍ.

فَلَوْ فَسَقَ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ، أَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لَا غَيْرُهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ، أَوْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ، وَوَلِيُّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَرْعٌ: سُئِلَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ هَلْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الرُّشْدُ أَوْ ضِدُّهُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ عُلِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ اسْتِصْحَابُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ بِالِاخْتِبَارِ، وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ حَالُهُ فَعُقُودُهُ صَحِيحَةٌ كَمَنْ عُلِمَ رُشْدُهُ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَيَكُونُ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ الْأَصْلُ فِيهِ الرُّشْدُ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى مِنْ كَافِرٍ) بِأَنْ يَصِيرَ عَدْلًا فِي دِينِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فُسِّرَ بِهِ آيَةُ) أَيْ كَمَا فُسِّرَ بِهِ الرُّشْدُ فِيهَا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهِيَ لِلْعُمُومِ، شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ آنَسْتُمْ) أَيْ عَلِمْتُمْ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَفْعَلَ فِي الْأَوَّلِ مُحَرَّمًا) كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يُبَذِّرَ فِي الثَّانِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: الْمُبَذِّرِ سَكَتَ عَنْهُ هُنَا. قَوْلُهُ: (مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) خَرَجَ بِالْمُحَرَّمِ خَارِجُ الْمُرُوءَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ وَإِنْ مَنَعَ الشَّهَادَةَ.

قَوْلُهُ: (يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) أَيْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِ، وَعِنْدَ الْكُفَّارِ فِي الْكَافِرِ. بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِهِمْ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَغْلِبْ) رَاجِعٌ لِلْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ حَجّ ع ش، بِأَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَنٌ وَهُوَ مُوَاظِبٌ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ قَوْلُهُ: (وَيُخْتَبَرُ) أَيْ وُجُوبًا، وَقَوْلُهُ " الصَّبِيِّ " بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْأُنْثَى. قَوْلُهُ: (قَبْلَ بُلُوغِهِ) أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقُبَيْلٍ مُصَغَّرًا لَكَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَالشُّبُهَاتُ) لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ ارْتِكَابَ الشُّبُهَاتِ مُخِلٌّ بِالرُّشْدِ إذْ ارْتِكَابُهَا لَيْسَ مُحَرَّمًا، بَلْ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي اسْتِكْشَافِ حَالِ الصَّبِيِّ.

قَوْلُهُ: (فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ تَاجِرٍ) أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى صَنْعَةِ أَبِيهِ.

قَوْلُهُ: (بِمُشَاحَّةٍ) وَهِيَ طَلَبُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَدَفْعُ الْأَقَلِّ عِنْدَ الشِّرَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَلَّمُ لَهُ الْمَالُ) قَالَ سم: أَيُّ حَاجَةٍ لِتَسْلِيمِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ مُمْكِنَةٌ بِدُونِهِ، اهـ. وَقَدْ يُقَالُ فِي تَسْلِيمِهِ لَهُ قُوَّةٌ دَاعِيَةٌ لَهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَتَنْشِيطٌ لَهُ فِي الْمُعَامَلَةِ وَزِيَادَةُ رَغْبَةٍ وَإِقْدَامٍ عَلَى إجَابَتِهِ مِمَّنْ يُمَاكِسُهُ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَالَ سم: وَلَا يَضْمَنُهُ الْوَلِيُّ إنْ تَلِفَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، كَذَا أَطْلَقُوهُ وَلَوْ قِيلَ: يَلْزَمُهُ مُرَاقَبَتُهُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ إغْفَالُهُ حَامِلًا عَلَى تَضْيِيعِهِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ. لَمْ يَبْعُدْ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةٍ عَلَيْهَا) الْمُرَادُ بِهَا الْأُجْرَةُ، وَقَوْلُهُ " بِأَنْ يُنْفِقَ إلَخْ " بِأَنْ يُعَاقِدَهُمْ الْوَلِيُّ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ أُجْرَةً مَعْلُومَةً ثُمَّ يَدْفَعَ الْمَالَ لِلصَّبِيِّ وَيَأْمُرَهُ بِإِعْطَائِهِمْ وَيَنْظُرَ هَلْ يَنْقُصُ أَحَدًا عَنْ أُجْرَتِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي ع ش، وَيُعْلَمُ رُشْدُهُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَدْفَعَ أَقَلَّ مِمَّا شُرِطَ لَا أَكْثَرَ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ النَّفَقَةَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ، وَمَالَ شَيْخُنَا إلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُمَاكِسُ فَقَطْ وَالْوَلِيُّ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ وَيُسَلِّمُ الْأُجْرَةَ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَةُ بِأَمْرِ غَزْلٍ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، أَوْ بِمَعْنَى الْمَغْزُولِ، أَيْ فِيمَنْ يَلِيقُ بِهَا ذَلِكَ؛ بِخِلَافِ بَنَاتِ الْمُلُوكِ وَالْمُخْتَبِرُ لَهَا الْوَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ ح ل، وَالْخُنْثَى يُخْتَبَرُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا أَيْ بِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ كَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.

قَوْلُهُ: (هِرَّةٍ) جَمْعُ الْأُنْثَى هِرَرٌ كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ، وَجَمْعُ الذَّكَرِ هِرَرَةٌ كَقِرْدٍ وَقِرَدَةٍ؛ ز ي. وَخُلِقَتْ الْهِرَّةُ مِنْ عَطْسَةِ الْأَسَدِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْكُبْرَى

قَوْلُهُ: (فَلَوْ فَسَقَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَالرُّشْدُ يَحْصُلُ ابْتِدَاءً وَالْمُرَادُ فَسَقَ بِغَيْرِ تَبْذِيرٍ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ.

قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>