للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ» وَخَبَرُ «يَقُولُ اللَّهُ أَنَا ثَالِثُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَيَخْرُجُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْأَعْيَانِ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ الشَّامِلِ لَهُ الْأَوَّلُ إذْ لَا يُفِيدُ ثُبُوتَ التَّصَرُّفَاتِ الْآتِيَةِ؛ لَكِنَّ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ عَقْدٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَ التَّصَرُّفِ دُونَ قَوْلِهِ ثُبُوتُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِثُبُوتِ الْحَقِّ السَّابِقِ ثُبُوتَ التَّصَرُّفِ، فَقَوْلُ ق ل: قَوْلُهُ وَالْأُولَى لَيْسَ بِأَوْلَى بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِيَدْخُلَ نَحْوُ الْمَوْرُوثِ وَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالشُّفْعَةِ وَنَحْوِهَا غَفْلَةً عَمَّا عُقِدَ لَهُ الْبَابُ، تَأَمَّلْ م د مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْأَعْلَامِ: مَنْ قَالَ إنَّهُ ابْنُ يَزِيدَ فَقَدْ وَهِمَ بَلْ هُوَ ابْنُ أَبِي السَّائِبِ الصَّيْفِيِّ بْنِ عَائِدٍ الْمَخْزُومِيِّ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ كَانَ) بَدَلٌ مِنْ خَبَرٍ.

قَوْلُهُ: (وَافْتَخَرَ) أَيْ السَّائِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ؛ شَوْبَرِيٌّ وع ش. وَقِيلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَوْجَهَهُ ق ل لِكَوْنِهِ وَافَقَ شَرْعَهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ «يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ جَاءَ السَّائِبُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي كَانَ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي وَلَا يُشَارِي أَيْ لَا يُرَائِي: وَلَا يُخَاصِمُ وَلَا يُشَاحِحُ» تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ، وَلِكَوْنِهِ قَدْ وَافَقَ شَرْعَهُ؛ فَذِكْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّرِكَةَ تَقْرِيرٌ لِجَوَازِهَا. وَعِبَارَةُ السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَّجِرُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ أَنْ يَتَّجِرَ لِخَدِيجَةَ، وَكَانَ شَرِيكًا لِلسَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ صَيْفِيٍّ، وَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ السَّائِبُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ لَهُ: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي كَانَ لَا يُدَارِي أَيْ لَا يُرَائِي وَلَا يُمَارِي» أَيْ لَا يُخَاصِمُ صَاحِبَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ «كَانَ لَا يُدَارِي» إلَى آخِرِهِ مِنْ مَقُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ فُقَهَاؤُنَا: وَالْأَصْلُ فِي الشَّرِكَةِ خَبَرُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ شَرِيكًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ، أَيْ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِيكِي نَعَمْ شَرِيكٌ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي وَلَا يُشَارِي؛ وَالْمُشَارَاةُ الْمُشَاحَّةُ فِي الْأَمْرِ وَاللِّحَاحُ فِيهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ مَقُولِ السَّائِبِ. وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالسَّائِبِ قَالَ فِي حَقِّ الْآخَرِ: «كَانَ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي» وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ كَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّائِبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ السَّائِبِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالَفَةً بَيْنَ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ صَيْفِيٍّ وَبَيْنَ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَيْفِيٌّ لَقَبًا لِوَالِدِهِ وَاسْمُهُ يَزِيدُ. وَفِي الِاسْتِيعَابِ: وَقَعَ اضْطِرَابٌ هَلْ الشَّرِيكُ كَانَ أَبَا السَّائِبِ أَوْ وَلَدَ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ أَوْ وَلَدُهُ السَّائِبُ وَهُوَ قَيْسُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ أَوْ لِأَخِي السَّائِبِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّائِبِ؟ قَالَ: وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ السَّائِبَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ كَانَتْ لِقَيْسِ بْنِ السَّائِبِ قَوْلُهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَرِيكِي فَكَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ، كَانَ لَا يُشَارِينِي وَلَا يُمَارِينِي» وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ كَانَ شَرِيكِي وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْإِمْتَاعِ «أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ اشْتَرَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَزًّا مِنْ بَزِّ تِهَامَةَ بِسُوقِ حُبَاشَةَ وَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِرْسَالِ خَدِيجَةَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَبْدِهَا مَيْسَرَةَ إلَى سُوقِ حُبَاشَةَ لِيَشْتَرِيَا لَهَا بَزًّا» . وَفِي سِفْرِ السَّعَادَةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَ مِنْهُ أَنَّهُ بَاعَ وَاشْتَرَى، إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ الْوَحْيِ وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ كَانَ شِرَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْبَيْعِ وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَبِعْ إلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ فَكَثِيرٌ وَاسْتَأْجَرَ وَالِاسْتِئْجَارُ أَغْلَبُ وَوَكَّلَ وَتَوَكَّلَ وَكَانَ تَوَكُّلُهُ أَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: وَخَبَرُ «يَقُولُ اللَّهُ» إلَخْ وَهَذَا يُقَالُ لَهُ حَدِيثٌ قُدُسِيٌّ نِسْبَةً إلَى الْقُدُسِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا لَهُ جَلَّ وَعَلَا حَيْثُ أَنْزَلَ أَلْفَاظَهَا كَالْقُرْآنِ لَكِنْ تُخَالِفُهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ إنْزَالِهَا لَيْسَ لِلْإِعْجَازِ وَأَمَّا غَيْرُ الْقُدْسِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>