لِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى فَيَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ. وَلَوْ قَالَ: الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ أَوْ مَغْشُوشَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا كَذَلِكَ أَوْ وَصَلَ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ بِالْإِقْرَارِ قَبْلَ قَوْلِهِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي عَشْرَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ مَعِيَّةً فَأَحَدَ عَشَرَ أَوْ حِسَابًا عَرَّفَهُ فَعَشْرَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ ظَرْفًا أَوْ حِسَابًا لَمْ يُعَرِّفْهُ أَوْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ.
(وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا (فِي الْإِقْرَارِ) وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ (إذَا وَصَلَهُ بِهِ) أَيْ اتَّصَلَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُرْفًا، فَلَا تَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ وَتَذَكُّرٍ وَانْقِطَاعِ صَوْتٍ بِخِلَافِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ يَسِيرًا. الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالثَّانِيَةِ، وَتَخْتَصُّ الثَّانِيَةُ بِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ هُوَ مُشْكِلٌ مَعَ الْعَطْفِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ. وَأَجَابَ الْمَدَابِغِيُّ بِأَنَّ " دِرْهَمٍ " رَاجِعٌ لِأَحَدِهِمَا اهـ. فَيَكُونُ الْآخَرُ لَغْوًا وَهُوَ بَعِيدٌ. وَلَوْ قَالَ " رَاجِعٌ لِلثَّانِي " لَكَانَ أَوْلَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ بَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ مَجْمُوعُهُمَا دِرْهَمًا. وَانْظُرْ هَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْمَدَابِغِيِّ أَوْ لَا؟ تَأَمَّلْ وَحَرِّرْ. وَالدِّرْهَمُ فِي الثَّالِثَةِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّمْيِيزِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، أَيْ بَلْ هُوَ خَبَرٌ عَنْهُمَا فِي الرَّفْعِ أَيْ هُمَا دِرْهَمٌ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُمَا أَوْ بَيَانٌ لَهُمَا، وَأَمَّا الْجَرُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنَى لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ عُرْفًا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِجُمْلَةِ مَا سَبَقَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي السُّكُونِ ح ل.
قَوْلُهُ: (فَيَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ) فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْعَطْفُ يَمْنَعُ احْتِمَالَ وَصْلِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرَادَ مَعِيَّةَ إلَخْ) . حَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ خَمْسَةَ أَحْوَالٍ، يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ فِي حَالَةٍ وَعَشْرَةٌ فِي حَالَةٍ وَدِرْهَمٌ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ.
قَوْلُهُ: (الِاسْتِثْنَاءُ) مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِرُجُوعِ الْمُسْتَثْنِي عَمَّا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ) مِنْ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: ٣٠] {إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: ٣١] وَفِي السُّنَّةِ «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ إلَّا أَرْبَعَةً» وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ:
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
قَوْلُهُ: (بِشُرُوطٍ) هِيَ فِي كَلَامِهِ صَرِيحًا ثَلَاثَةٌ، وَذَكَرَ رَابِعًا لَا بِعِنْوَانِ الشَّرْطِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ إلَخْ. وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ كَمَا قَالَهُ ق ل وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ وَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ اهـ. وَقَالَ سم: وَأَنْ يُسْمِعَ بِهِ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينِهِ، أَيْ فِي نَفْيِ الْإِتْيَانِ بِهِ بِخِلَافِ نَفْيِ مُجَرَّدِ السَّمَاعِ فَلَا أَثَرَ لَهُ. قَوْلُهُ: (إذَا وَصَلَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْمُسْتَثْنَى فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ) أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقَطْعَ.
قَوْلُهُ: (وَعِيٌّ) أَيْ تَعَبٌ. وَقَوْلُهُ " وَتَذَكُّرٌ " أَيْ تَذَكُّرُ قَدْرِ مَا يَسْتَثْنِيهِ، أَيْ إذَا كَانَ بِقَدْرِ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ ع ش، كَأَنْ سَكَتَ لِيَتَذَكَّرَ مَا يُخْرِجُهُ بِأَنْ دَفَعَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ وَنَسِيَ فَقَالَ: لَهُ عِنْدِي عَشْرَةٌ وَسَكَتَ لِيَتَذَكَّرَ مَا دَفَعَهُ مِنْهَا لِيُخْرِجَهُ.
قَوْلُهُ: (وَانْقِطَاعُ صَوْتٍ) وَسُعَالٌ وَنَحْوُهُ. وَانْظُرْ وَلَوْ طَالَ زَمَنُهُ أَوْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ تَأَمَّلْ، شَوْبَرِيٌّ ".
قَوْلُهُ: (وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ) مِنْ الْمُقِرِّ، نَعَمْ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَالْعُدَّةِ ز ي؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلتَّذَكُّرِ أَيْ تَذَكُّرِ قَدْرِ مَا يَسْتَثْنِيهِ، وَهُوَ أَيْضًا مُنَاسِبٌ لِلْمَقَامِ بِخِلَافِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ.
قَوْلُهُ: (الشَّرْطُ الثَّانِي إلَخْ) عِبَارَةُ سم: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَقْصِدَهُ قَبْلَ فَرَاغِ صِيغَةِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يُقَارِنْ أَوَّلَهَا إنْ تَأَخَّرَ، فَإِنْ تَقَدَّمَ فَهَلْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ لِحُصُولِ الِارْتِبَاطِ بِدُونِهِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُتَأَخِّرًا يُوجِبُ ارْتِبَاطَهُ بِالْمُسْتَثْنَى الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي. وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْإِخْرَاجِ بِهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِهِ أَوْ تَكْفِي مُقَارَنَتُهُ لِلتَّلَفُّظِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ) وَلَوْ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ ع ش.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ ح ل.