مِنْهُ وَيُسَمَّى اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا، إنْ بُيِّنَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ فَإِنْ بُيِّنَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَالْبَيَانُ لَغْوٌ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ بُيِّنَ بِمَا أَرَادَهُ بِهِ فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ، وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ مُعَيَّنٍ كَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا، وَحَلَفَ فِي بَيَانِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ حَتَّى لَوْ مَاتُوا بِقَتْلٍ أَوْ دُونِهِ إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ. وَقَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فَوَائِدَ مُهِمَّةً لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ فَلْيُرَاجِعْهَا مَنْ أَرَادَ.
(وَهُوَ) أَيْ الْإِقْرَارُ (فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ) وَلَوْ مَخُوفًا (سَوَاءً) فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ، فَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ وَفِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ بَلْ يَتَسَاوَيَانِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ. وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَيْنٍ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَارِثِ كَإِقْرَارِ الْمُورَثِ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِالدَّيْنَيْنِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِإِنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا ثُمَّ أَقَرَّ لِآخَرَ بِعَيْنٍ قُدِّمَ صَاحِبُهَا كَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ حَجْرًا فِي الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا بِغَيْرِ تَبَرُّعٍ. وَلَوْ أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ أَخِيهِ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ، أَوْ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فِي الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ عَتَقَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا تَبَرُّعٌ، وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُحِقٌّ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيَتُوبُ فِيهَا الْفَاجِرُ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِحِرْمَانِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُقْبَلُ مِنْهُ عَدَمُ إرَادَتِهِ الْفَصَّ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ شَرْحُ م ر. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ عَدَمُ لُزُومِ الْفَصِّ فِيمَا لَوْ قَالَ: فِيهِ فَصٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ فِي لَفْظِهِ عَلَى الْفَصِّ كَانَ خَارِجًا وَلَمَّا أَطْلَقَ هُنَا كَانَ دَاخِلًا اهـ أج.
قَوْلُهُ: (إنْ بَيَّنَ إلَخْ) كَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا قِيمَةَ ثَوْبٍ سم.
قَوْلُهُ: (بِمَا أَرَادَهُ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى الثَّوْبِ. وَقَوْلُهُ " بِهِ " أَيْ بِالْأَلْفِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِبَيَّنَ، أَيْ لِأَنَّهُ بَيَّنَ الثَّوْبَ الَّذِي أَرَادَهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَلْفِ أَيْ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْأَلْفِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا أَرَادَهُ بِهِ أَيْ بَيَّنَ الثَّوْبَ الَّذِي أَرَادَهُ بِالْأَلْفِ.
قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ) وَهُوَ مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَخْ، فَقَوْلُ ق ل: إنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دَائِمًا مُعَيَّنٌ، وَقَوْلُهُ إنَّ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ " مِنْ مُعَيَّنٍ " زَائِدَةٌ مَمْنُوعٌ.
قَوْلُهُ: (وَزَعَمَ) أَيْ ذَكَرَ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ) بَدَلٌ مِنْ بِيَمِينِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ حَالٌ، وَقَوْلُهُ " سَوَاءٌ " خَبَرٌ، أَيْ مُسْتَوِيَانِ، فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُبْتَدَإِ الْمُفْرَدِ؛ وَذَلِكَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُخْبَرُ بِهِ إلَّا عَنْ مُتَعَدِّدٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ: وَحُكْمُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ وَحُكْمٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ فَيَعُمُّ حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَحُكْمُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَحُكْمُهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ سَوَاءٌ، نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَذَانِ حَرَامٌ» أَيْ اسْتِعْمَالُ هَذَيْنِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مَا هُنَا عَلَى الْعَكْسِ.
قَوْلُهُ: (قُدِّمَ صَاحِبُهَا) أَيْ الْعَيْنِ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، نَعَمْ لِلْوَرَثَةِ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُقَرَّ بِهِ وَلَا تَسْقُطُ الْيَمِينُ بِإِسْقَاطِ الْوَارِثِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفُوا وَبَطَلَ الْإِقْرَارُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. اهـ. م ر ع ش. وَقَوْلُهُ " كَعَكْسِهِ " أَيْ بِأَنْ قُدِّمَ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ) أَيْ الْمَرِيضِ أَيْ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِهَا، أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْعَيْنِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ بِهَا فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْمَرِيضُ بِإِعْتَاقِ أَخِيهِ بِأَنْ كَانَ أَخُوهُ رَقِيقًا لَهُ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ.
قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ) مِنْ ابْنٍ أَوْ أَبٍ وَهُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَوَرِثَهُ. قَوْلُهُ: (لِتَرِكَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُسْتَغْرِقٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ إلَخْ) وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَجْرِي فِي الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهَا ضَعُفَتْ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ إلَخْ؛ وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ إلَخْ " غَرَضُهُ بِهَذَا الرَّدِّ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ