للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُفَسِّرِينَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] مَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَقَدْ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْبِرُّ فِعْلُ الْخَيْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْعَارِيَّةِ فِعْلُ الْخَيْرِ وَالتَّقْوَى امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي. وَسُمِّيَتْ تَقْوًى؛ لِأَنَّهَا تَقِي أَيْ تَحْفَظُ صَاحِبَهَا مِنْ الْمَهَالِكِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَفَسَّرَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ) أَيْ فَسَرُّوا الْمَاعُونَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] وَغَيْرُ الْجُمْهُورِ فَسَّرَهُ بِالزَّكَاةِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ كُلُّ مَعْرُوفٍ. اهـ. سَمِّ. وَحَكَى الْبَيْضَاوِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِقِيلَ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ تَفْسِيرَهُ بِالزَّكَاةِ اهـ. وَكَانَتْ وَاجِبَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِلْوَعِيدِ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. فَلَا حَاجَةَ لِمَا يُقَالُ إنَّ الْوَعِيدَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَجْمُوعِ مَا فِيهَا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَمْنَعُ الْمَاعُونَ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إعَارَتُهُ. قَوْله: (كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ إلَخْ) مَعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ حَيْثُ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ ز ي وَهَلْ وَإِنْ لَمْ يُعْقَدْ بِذَلِكَ أَوْ حَيْثُ عُقِدَ بِهِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ بَلْ إجَارَةٍ، وَكَذَا تَجِبُ إعَارَةُ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ، وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ ح ل. وَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ هُنَا، وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ إسْعَافِهِ إذَا أَرَادَ حِفْظَ مَالِهِ كَمَا يَجِبُ الِاسْتِيدَاعُ إنْ تَعَيَّنَ وَإِنْ جَازَ لِلْمَالِكِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ إلَى التَّلَفِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ الْمُنَافَاةَ. اهـ. عِ ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ؛ (وَقَدْ تَحْرُمُ) وَلَا تَصِحُّ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ سم.

قَوْلُهُ: (كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ حِينَئِذٍ فَاسِدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ شَامِلٌ لِلْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ، تَدَبَّرْ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْقَلْيُوبِيِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ لَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ مَرِضَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ إلَّا أَمَةً فَاسْتَعَارَهَا لِذَلِكَ فَتَصِحُّ لِلضَّرُورَةِ. وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَكَالصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ وَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِلْحَرْبِيِّ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْبَاغِي إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عِصْيَانُهُمْ بِذَلِكَ اهـ ز ي.

قَوْلُهُ: (مِنْ كَافِرٍ) وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَخِدْمَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ قَطْعًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَلَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ حَلْقِ رَأْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ كَمَا قَالَهُ قِ ل. وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعِيرُهُ وَلَا يُؤَجِّرُهُ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ. اهـ. م د. أَقُولُ: فَائِدَةُ ذَلِكَ إذَا اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تَعْتَرِيهَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِهَا السُّنَّةُ، قَالَ ع ش: وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا فِي إعَارَةِ شَيْءٍ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَصَالَةً إجْمَاعًا، وَكَانَتْ وَاجِبَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ " وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَكَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ إذَا كَانَ سَبَبُهَا تَرْكًا لَا تَحْرُمُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ قَدْ يَكُونُ لِمَحْجُورٍ بِحَضْرَةِ وَلِيِّهِ اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ إعَارَةُ السِّكِّينِ لِذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ إلَّا إذَا كَانَ لِمَحْجُورٍ إلَخْ رَاجِعْهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَهِيَ سُنَّةٌ، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً كَإِعَارَةِ ثَوْبٍ لِدَفْعِ نَحْوِ مُؤْذٍ كَحَرٍّ وَمُصْحَفٍ لِمَنْ لَمْ يَحْفَظْ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ يَعْرِفُ الْمُطَالَعَةَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ تَبَعًا لِلْكِفَايَةِ، أَوْ ثَوْبٍ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ إعَارَةِ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ وَلَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ، وَكَإِعَارَةِ مَا كَتَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ فِيهِ سَمَاعُ غَيْرِهِ أَوْ رِوَايَتُهُ لِيَنْسَخَهُ مِنْهُ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ غَيْرِ صَغِيرَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَتُكْرَهُ كَإِعَارَةِ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ اهـ. وَتَعْتَرِيهَا الْإِبَاحَةُ بِأَنْ أَعَارَ لِغَنِيٍّ غَيْرِ مُحْتَاجٍ، كَمَا إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>