للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ وَمُعَارٌ وَصِيغَةٌ. وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُسْتَعَارِ فَقَالَ وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَا يُعَارُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْحِمَارِ الزَّمِنِ، وَأَمَّا مَا يُتَوَقَّعُ نَفْعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الثَّانِي مَا لَوْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ مُحَرَّمَةً، فَلَا يُعَارُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُحَرَّمًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَنْفَعَتُهُ قَوِيَّةً فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ لِلتَّزَيُّنِ إذْ مَنْفَعَتُهُ بِهِمَا، أَوْ الضَّرْبُ عَلَى طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ قَلَّمَا تُقْصَدُ، وَمُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِمَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِخْرَاجِ، نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا أَوْ نَوَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ صَحَّتْ لِاِتِّخَاذِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصِدًا وَإِنْ ضَعُفَتْ، وَيَنْبَغِي مَجِيءُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَانَ عِنْدَ شَخْصٍ ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ مَثَلًا وَعِنْدَ آخَرَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ بِهِ فَاسْتَعَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مِنْ صَاحِبِ الثِّيَابِ ثَوْبًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

قَوْلُهُ: (بِالْمُسْتَعَارِ) الْمُنَاسِبِ " بِالْمُعَارِ ". قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَتْنِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ، وَزَادَ الشَّارِحُ رَابِعًا وَخَامِسًا.

قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ) فِي هَذَا الْإِخْرَاجِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ " جَازَتْ إعَارَتُهُ " عَلَى قَوْلِهِ " فَخَرَجَ إلَخْ " إلَّا أَنْ يُقَالَ لَاحَظَ الْإِخْبَارَ أَوَّلًا ثُمَّ أَخْرَجَ أَوْ اتَّكَلَ عَلَى الْمُعَلِّمِ. قَوْلُهُ: (مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إدْخَالُ مَا تَوَقَّعَ نَفْعَهُ، كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَتْ إعَارَتُهُ مُقَيَّدَةً فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (الزَّمِنِ) بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْمِصْبَاح زَمِنَ الشَّخْصُ زَمِنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا. قَوْلُهُ: (كَآلَاتِ الْمَلَاهِي) قَضِيَّةُ التَّمْثِيلِ بِمَا ذَكَرَ لِلْمُحَرَّمِ أَنَّ مَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الطُّبُولِ وَنَحْوِهَا لَا يُسَمَّى آلَةَ لَهْوٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ فَالشِّطْرَنْجُ تُبَاحُ إعَارَتُهُ بَلْ إجَازَتُهُ. اهـ. عِ ش.

قَوْلُهُ: (قَوِيَّةً) عِبَارَةُ م ر: " مَقْصُودَةً " بَدَلَ " قَوِيَّةً " وَهِيَ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ بَعْدُ: " قَلَّمَا تُقْصَدُ اهـ " وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ إلَى قَيْدٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (لِلتَّزَيُّنِ) أَيْ أَوْ لِلضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا، أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ وَالِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ مَا ذَكَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ الضَّرْبِ عِلَّةً بِلَا مُعَلِّلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبِ " بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى " لِلتَّزَيُّنِ " فَهُوَ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ، وَقَوْلُهُ " إذْ مَنْفَعَتُهُ " عِلَّةٌ لِذَلِكَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ " لِلتَّزَيُّنِ " هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ بِأَنْ اسْتَعَارَ النَّقْدَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِجِهَةِ الِانْتِفَاعِ لِيُوَافِقَ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا صَحَّ لِجَعْلِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصُودَةً؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً تَتَقَوَّى بِالْقَصْدِ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " لِلتَّزَيُّنِ " أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَتَّى لَا يُنَافِي الِاسْتِدْرَاكَ الْآتِي، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ فَقَطْ، وَيُحْذَفُ قَوْلُهُ " لِلتَّزَيُّنِ " ثُمَّ يَسْتَدْرِكُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (إذْ مَنْفَعَتُهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ بِهِمَا، أَيْ بِالنَّقْدَيْنِ، أَيْ لِلتَّزَيُّنِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ضَمِيرَ مَنْفَعَتِهِ لِلتَّزَيُّنِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبُ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى " مَنْفَعَتُهُ " مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَيَكُونُ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَجَرُّهُ مَعْطُوفًا عَلَى " التَّزَيُّنِ " مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَإِ وَهُوَ " مَنْفَعَتُهُ " وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَخَبَرِهِ بِقَوْلِهِ " أَوْ الضَّرْبُ " تَأَمَّلْ. نَعَمْ يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى ضَمِيرِ مَنْفَعَتِهِ إذَا كَانَ رَاجِعًا لِلتَّزَيُّنِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مَالِكٍ الْمُجَوِّزِ لِلْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ بِدُونِ إعَادَةِ الْخَافِضِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبُ " مَعْطُوفًا عَلَى " التَّزَيُّنِ " فَهُوَ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ بِجَنْبِهِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي مَنْفَعَتِهِ لِلْمُسْتَعَارِ وَفِي بِهِمَا لِلتَّزَيُّنِ وَالضَّرْبِ، وَفِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا لَكِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ رُتْبَةً، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ مُسَامَحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَإِ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ بِالْمَعْطُوفِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " مَنْفَعَتُهُ " عَائِدٌ عَلَى " التَّزَيُّنِ " وَقَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبِ " بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ " التَّزَيُّنِ " وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الدَّعْوَى وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ فِيهَا التَّزَيُّنُ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّرْبَ مُقَدَّرٌ أَيْضًا، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ لِلتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ، فَحُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>