وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَغْلَبُهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَسْقِيَ الصَّغِيرَ بِمِسْعَطٍ مِنْ إنَائِهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنَاءِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ حَتَّى مَا يُخَلِّلُ بِهِ أَسْنَانَهُ، وَالْمِيلُ الَّذِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
إنَاءٍ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ، وَهِيَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَالْأَوَانِي جَمْعُ الْجَمْعِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الْآنِيَةَ مُفْرَدٌ، وَأَصْلُ آنِيَةٍ أَأْنِيَةٌ بِهَمْزَتَيْنِ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ أَلِفًا فَصَارَ آنِيَةً عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ:
وَمَدًّا أُبْدِلَ ثَانِي الْهَمْزَيْنِ مِنْ ... كَلِمَةٍ أَنْ يَسْكُنَ كَآثَرَ وَائْتَمِنْ
قَوْلُهُ: (فِي صِحَافِهَا) جَمْعُ صَحْفَةٍ وَقَدَّمَ الشُّرْبَ لِكَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي صِحَافِهِمَا أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْمُضَافِ وَهُوَ الْآنِيَةُ، وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ. الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْفِضَّةِ، أَمَّا الذَّهَبُ فَمَعْلُومٌ بِالْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٤] الثَّالِثُ: أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْأَفْرَادِ الْكَائِنَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ع ش عَلَى م ر. الصَّحْفَةُ هِيَ مَا دُونَ الْقَصْعَةِ فَهِيَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لِأَنَّ الْآنِيَةَ تَشْمَلُ الصَّحْفَةَ وَغَيْرَهَا وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِإِخْرَاجِ غَيْرِهَا، بَلْ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَادَةِ الْأَكْلُ فِي الصِّحَافِ دُونَ الشُّرْبِ وَقَوْلُهُ: تَشْمَلُ الصَّحْفَةَ وَغَيْرَهَا. الْحَاصِلُ أَنَّ لَهُمْ جَفْنَةً وَقَصْعَةً وَصَحْفَةً وَمِكْيَلَةً وَصُحَيْفَةً بِضَمِّ الصَّادِ، فَالْأُولَى مَا تُشْبِعُ مَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَالثَّانِيَةُ مَا تُشْبِعُ الْعَشَرَةَ، وَالثَّالِثَةُ مَا تُشْبِعُ الْخَمْسَةَ، وَالرَّابِعَةُ مَا تُشْبِعُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَالْخَامِسَةُ مَا تُشْبِعُ الْوَاحِدَ، وَكُلٌّ مِنْ الْخَمْسَةِ يُقَالُ لَهُ آنِيَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْخَمْسَةَ فِي الْمُخْتَارِ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا) أَيْ مِنْ بَاقِي وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى غَيْرِ وَجْهٍ مَأْلُوفٍ كَأَنْ كَبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَيْ رَأْسِ الْإِنَاءِ وَاسْتَعْمَلَ أَسْفَلَهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ مَعَ قَوْلِهِ بِإِجْمَاعٍ الدَّالِّ عَلَى حُرْمَةِ جَمِيعِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ لِلْقِيَاسِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْإِجْمَاعَ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ فَقَطْ اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ لِلَّهِ آنِيَةً فِي أَرْضِهِ وَهِيَ قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَأَحَبُّهَا إلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَصْفَاهَا وَأَصْلَبُهَا» . قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَصْلَبُهَا فِي الدِّينِ وَأَصْفَاهَا فِي الْيَقِينِ وَأَرَقُّهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَدَخَلَ فِي الْأَوَانِي طَبَقُ الْكِيزَانِ وَهِيَ صُحَيْفَةٌ فِيهَا ثُقْبٌ لِلْكِيزَانِ، وَالْمُتَّجِهُ الْحُرْمَةُ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ بِجَوَازِهِ، وَفُهِمَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، حُرْمَةُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْفِعْلِ وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الصَّنْعَةِ، وَعَدَمُ الْغُرْمِ عَلَى الْكَاسِرِ كَآلَةِ اللَّهْوِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمُنْكَرَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْوَلِيِّ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْأَجْنَبِيُّ مِثْلُهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ تَوَلَّى فِعْلَ ذَلِكَ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا.
قَوْلُهُ: (بِمِسْعَطٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ الْإِنَاءُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ السَّعُوطُ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ. وَجَمِيعُ أَسْمَاءِ الْآلَاتِ بِكَسْرِ أَوَّلِهَا كَمِقْشَطٍ وَمِزْوَدَةٍ وَمِغْرَفَةٍ وَمِلْعَقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إلَّا ثَلَاثَةً فَبِالضَّمِّ وَهِيَ مِسْعَطٌ وَمُكْحُلَةٌ وَمُشْطٌ بِنَاءً عَلَى إحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي مِسْعَطٍ وَمُشْطٍ مِنْ ضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَفِيهِمَا لُغَةٌ أُخْرَى بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَأَمَّا مُكْحُلَةٌ فَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ لَا غَيْرُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ إنَائِهِمَا) صِفَةٌ لِمِسْعَطٍ أَيْ كَائِنٍ مِنْ إنَائِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنَاءِ إلَخْ) وَمِنْهُ الْمُكْحُلَةُ وَالْمِبْخَرَةُ وَالْمِلْعَقَةُ وَالصُّنْدُوقُ وَغِطَاءُ الْكُوزِ ح ل.
فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ دَقِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَكْلِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَوْ مَعَ انْضِمَامِهِمَا لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَدْوِيَةِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوِيَةِ أَمْ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؟ فَأَجَبْت عَنْهُ بِقَوْلِي: إنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ الْجَوَازَ لَا شَكَّ فِيهِ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ نَفْعٌ، بَلْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ فِي الْأَطْعِمَةِ بِأَنَّ الْحِجَارَةَ وَنَحْوَهَا لَا يَحْرُمُ مِنْهَا إلَّا مَا أَضَرَّ بِالْبَدَنِ أَوْ الْعَقْلِ. وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْحُرْمَةِ بِإِضَاعَةِ الْمَالِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْإِضَاعَةَ إنَّمَا تَحْرُمُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ وَمَا هُنَا