للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْهُ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ الْفَقِيهُ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا مَا تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ لِلْإِذْنِ فِيهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ عَيْنٌ كَدَابَّةٍ وَأَرْضٍ لِمَالِكِهَا. أَعَرْتَنِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَالِكُهَا: بَلْ أَجَرْتُك أَوْ غَصَبْتنِي. وَمَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ كَمَا لَوْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ وَقَالَ كُنْت أَبَحْته لِي وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيُصَدَّقُ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، فَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكَرِهَا؛ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ صُدِّقَ الْمُعِيرُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الضَّمَانُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْلِ وَعَدَمِهِ أُجِيبَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ ... فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا

قَابِضُ شَيْءٍ بِرِضَا مَالِكِهِ ... وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعَا

قَوْله: (لَمْ يَضْمَنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ. قَوْلُهُ: (فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْهُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ جَوَازُ الْعَارِيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إنْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فَهَذِهِ لَيْسَتْ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يَمْلِكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ امْتَنَعَتْ الْعَارِيَّةُ فَقَوْلُهُ لِمَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فِيهِ نَظَرٌ؛ تَأَمَّلْ شَيْخَنَا.

قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) وَلَوْ بِدَعْوَى الْمُسْتَعِيرِ فَيُصَدَّقُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ كَمَا قَالَهُ ح ل وز ي، أَيْ وَلِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ اخْتَلَفَ فِي حُصُولِ التَّلَفِ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ لَا صُدِّقَ الْمُسْتَعِيرُ بِيَمِينِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ خِلَافًا لِمَا عُزِيَ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُعِيرِ اهـ.

قَوْلُهُ: (لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ عَيْنٌ إلَخْ) يَحْصُلُ مِنْ هُنَا صُوَرٌ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْعَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجَارَةَ أَوْ الْغَصْبَ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَوْ تَالِفَةً وَوَاضِعُ الْيَدِ يَدَّعِي الْإِعَادَةَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَصَبَتْنِي) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ تَقُولُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَغَصَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ غَصَبْته مِنِّي لَا غَصَبْتنِي اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (صُدِّقَ الْمَالِكُ) أَيْ بِيَمِينِهِ إنْ تَعَيَّنَتْ الْعَيْنُ فَيَحْلِفُ إنَّهُ مَا أَعَارَهُ وَأَنَّهُ أَجَرَهُ أَوْ غَصَبَهُ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَيْ فَيَجْمَعُ فِي يَمِينِهِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا بِأَنْ يَنْفِيَ الْإِعَارَةَ وَيُثْبِتَ دَعْوَاهُ، فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ الْعَيْنَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ أَيْضًا، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَخَذَ الْأُجْرَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَهُوَ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ فِي الْغَصْبِ وَوَاضِعُ الْيَدِ يَدَّعِي الْقِيمَةَ إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُهَا وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ) فَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً فِي الْأُولَى فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرِهَا فَتُتْرَكُ فِي يَده، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى) اُنْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي يَمِينِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَعَدَمِ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ وَتَمَكَّنَ صَاحِبُهَا مِنْ أَخْذِهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا مَعْنَى إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ أَيْضًا وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيَأْخُذُهَا الْمَالِكُ وَلَا أُجْرَةَ، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَهُوَ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ وَالْمُسْتَعِيرُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ فَاتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُهَا الْمَالِكُ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ إلَخْ) هَذَا عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ صَاحِبُهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فَالْمَالِكُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ وَالْغَاصِبُ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ فَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ، وَأَمَّا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ صَاحِبُهَا وَيَتْرُكُ الْأُجْرَةَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إلَى الْبَيَانِ، وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ عَنْ الْقِيمَةِ إلَى الْبَيَانِ.

قَوْلُهُ: (جَاهِلًا بِرُجُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>