الْحَادِثِ فِيمَا مَلَكَ بِعِوَضٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فِي أَرْضٍ أَوْ رِيعٍ أَوْ حَائِطٍ " وَالرَّبْعُ الْمَنْزِلُ، وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ كَالْمِصْعَدِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْبَالُوعَةِ فِي الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ. وَذُكِرَتْ عَقِبَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ قَهْرًا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا
، وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ آخُذ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَحُكِيَ ضَمُّهَا) قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَغَلِطَ مَنْ ضَمَّ الْفَاءَ وَفِي الْمِصْبَاحِ الشُّفْعَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يُشَفِّعُ مَالَهُ بِهَا، قَوْلُهُ: (حَقُّ تَمَلُّكٍ) أَيْ اسْتِحْقَاقٍ. وَهُوَ غَيْرُ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ يَكُونُ بِالصِّيغَةِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحَقُّ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الْمَوْتِ وَعَلَى الْمُقْتَضَى وَالْمُسْتَحَقِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.
قَوْلُهُ: (قَهْرِيٌّ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِ " حَقٌّ " وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَصِحُّ بِالْجَرِّ صِفَةً لِ " التَّمَلُّكِ " وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالِاخْتِيَارِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ قَهْرِيٌّ سَبَبُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهَا لِثُبُوتِهِ لِلشَّرِيكِ قَهْرًا كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ رَاضٍ صَاحِبُهَا. وَقَدْ اشْتَمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ.
قَوْلُهُ: " لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ " وَلَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ لِشَخْصٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا وَبَاعَ شَرِيكُهُ بَيْعَ بَتٍّ فَلِمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ الشُّفْعَةُ عَلَى الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ شَرِيكٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ، وَالشَّرِيكُ الْقَدِيمُ شَامِلٌ لِلذِّمِّيِّ. وَقَوْلُهُ: " لِلشَّرِيكِ " أَيْ الْمَالِكِ لِلرَّقَبَةِ لَا نَحْوَ مُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةٍ وَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ مَلَكَهَا بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَا شُفْعَةَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ، شَرْحُ الْبَهْجَةِ. وَلَعَلَّهُ أَسْقَطَهُ هُنَا مُرَاعَاةً لِمَنْ شَذَّ فَمَنَعَ الْأَخْذَ بِهَا فَفِيهَا خِلَافُ الْجُمْلَةِ وَذَكَرَهُ هُنَاكَ تَنْزِيلًا لِلشَّاذِّ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (قَضَى) أَيْ أَجَازَ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ لَا فِي غَيْرِهِ أَوْ أَجَازَ أَنْ يَقْضِيَ كَذَلِكَ اهـ ق ل.
قَوْلُهُ: (فِيمَا) أَيْ فِي نَصِيبِ مِلْكٍ بِمُعَاوَضَةٍ لَمْ يُقَسَّمْ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، إذْ الْأَصْلُ فِيمَا نُفِيَ بِ " لَمْ " كَوْنُهُ فِي الْمُمْكِنِ، بِخِلَافِ مَا نُفِيَ بِ (لَا) نَحْوَ: لَا شَرِيكَ لَهُ، وَاسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ تَجَوُّزٌ أَوْ إجْمَالٌ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا قَالَ الْأَصْلُ أَيْ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ لَمْ قَدْ تَدْخُلُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ نَحْوَ: (لَمْ يَلِدْ) وَقَدْ تَدْخُلُ لَا عَلَى مَا يُمْكِنُ نَحْوَ: " لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ " اهـ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ) أَيْ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْحُدُودِ الْعَلَامَاتُ بِأَنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ، وَالْمُرَادُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ قَوْلُهُ: (وَصُرِّفَتْ) بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ بُيِّنَتْ، وَبِالتَّخْفِيفِ: فُرِّقَتْ، ح ل؛ بِأَنْ صَارَتْ الْحِصَصُ مُنْفَصِلَةً عَنْ بَعْضِهَا، وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ مُرَادِفٍ. اهـ. ق ل. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ مُغَايِرٌ أَوْ عَطْفٌ لَازِمٌ عَلَى مَلْزُومٍ نَظَرًا لِلتَّفْسِيرِ السَّابِقِ لِقَوْلِهِ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا شُفْعَةَ) ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا جَارَيْنِ. قَوْلُهُ (فِي أَرْضٍ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي الْمَنْقُولِ أَصَالَةً بِخِلَافِهِ تَبَعًا.
قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ أَمْرًا تَعَبُّدِيًّا بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى اهـ.
قَوْلُهُ: (وَاسْتِحْدَاثٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قِسْمَةٍ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ لَرُبَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا قِسْمَةٌ وَطَلَعَتْ الْمَرَافِقُ لِلْجَدِيدِ فَيَحْتَاجُ الْقَدِيمُ إلَى الْمَرَافِقِ، فَإِذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ انْدَفَعَ عَنْهُ ضَرَرُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " فِي الْحِصَّةِ " مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِحْدَاثٍ، وَبَقِيَّةُ الْعِبَارَةِ سَتَأْتِي فِي الشَّرْحِ، وَهِيَ: وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَخْ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهَا هُنَا فَقَوْلُهُ: وَاسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ أَيْ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ قَوْلُهُ (الصَّائِرَةِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الشَّفِيعِ وَهُوَ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ، وَالْمُرَادُ بِالْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ الشَّرِيكِ الْحَادِثِ لَوْ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ، قَوْلُهُ: (تُؤْخَذُ قَهْرًا) وَالْعَفْوُ عَنْهَا أَفْضَلُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي نَادِمًا أَوْ مَغْبُونًا، شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " وَالْعَفْوُ عَنْهَا أَفْضَلُ " ظَاهِرُهُ وَإِنْ اشْتَدَّتْ إلَيْهَا حَاجَةُ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِيثَارِ، وَهُوَ أَوْلَى حَيْثُ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَالِاحْتِيَاجِ لِلْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ