للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّقْيِ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيهَا غَالِبًا لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ فَإِنَّهُمْ يَسْقُونَ مِنْ الْآبَارِ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ أَعْمَالِهَا وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يُعَامِلَ غَيْرَهُ عَلَى نَخْلٍ أَوْ شَجَرِ عِنَبٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُمَا. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَهَا وَأَرْضَهَا بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَشْجَارِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا أَوْ لَا يَتَفَرَّغُ لَهُ. وَمَنْ يُحْسِنُ وَيَتَفَرَّغُ قَدْ لَا يَمْلِكُ الْأَشْجَارَ فَيَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا إلَى الْعَمَلِ، وَلَوْ اكْتَرَى الْمَالِكُ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ فِي الْحَالِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثِّمَارِ وَيَتَهَاوَنُ الْعَامِلُ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْوِيزِهَا.

وَأَرْكَانُهَا سِتَّةٌ عَاقِدَانِ وَعَمَلٌ وَثَمَرٌ وَصِيغَةٌ وَمَوْرِدُ الْعَمَلِ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَهَا وَنَذْكُرُ الْبَاقِيَ فِي الشَّرْحِ (وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا كَمَا مَرَّ

، وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا إلَّا (عَلَى) شَجَرِ (النَّخْلِ وَالْكَرْمِ) هَذَا أَحَدُ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْمَوْرِدُ، أَمَّا النَّخْلُ فَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلَوْ ذُكُورًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْخَفَّافُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا مُعَيَّنًا مَرْئِيًّا بِيَدِ عَامِلٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّخْلِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَتَأَتِّي الْخَرْصِ وَتَسْمِيَةُ الْعِنَبِ بِالْكَرْمِ وَرَدَ النَّهْيُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (الْمُحْتَاجِ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِلسَّقْيِ. جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لِمَاذَا أُخِذَتْ مِنْ السَّقْيِ وَاشْتُقَّ لَهَا مِنْهُ اسْمٌ مَعَ أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى غَيْرِهِ كَالتَّلْقِيحِ وَالتَّعْرِيشِ وَالْحِفْظِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ السَّقْيَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (يَسْقُونَ) وَفِي نُسْخَةٍ " يَسْتَقُونَ " بِتَاءٍ قَبْلَ الْقَافِ، فَالْخِلَافُ فِي ذِكْرِ التَّاءِ وَعَدَمِهَا وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي النُّونِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ عَلَى كِلْتَا النُّسْخَتَيْنِ، وَكَذَا بِخَطِّ الَأُجْهُورِيُّ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ، فَمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَابِغِيِّ نَقْلًا عَنْ الَأُجْهُورِيُّ تَحْرِيفٌ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَنْفَعُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّقْيِ وَالْمُرَادُ أَنَّ فِعْلَ الْعَامِلِ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى السَّقْيِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَنْفَعَ أَعْمَالِهَا أُخِذَتْ مِنْهُ ع ش.

قَوْلُهُ: (أَنْ يُعَامِلَ) أَيْ بِصِيغَةٍ مَعْلُومَةٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُ أَرْكَانِهَا السِّتَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّرْبِيَةُ) عَطْفٌ عَامٌّ وَهِيَ حِفْظُ الشَّيْءِ الْمُرَبَّى بِتَعَهُّدِهِ بِسَقْيٍ وَغَيْرِهِ إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُرَبِّي. وَقَوْلُهُ: " قَبْلَ الْإِجْمَاعِ " هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَنَعَهَا وَإِنْ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ. اهـ. ق ل. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ بَعِيدٌ.

قَوْلُهُ: (عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ) أَيْ عَامَ فَتْحِ خَيْبَرَ لَمَّا فَتَحَهَا عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا وَمَلَكَ أَرْضَهَا وَنَخْلَهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ ثُمَّ رَدَّ لَهُمْ النَّخْلَ وَالْأَرْضَ لِيَكُونُوا عُمَّالًا فِيهِمَا بِالشُّرُوطِ لِمَا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا تَعَاطَى النَّبِيُّ الْعَقْدَ نِيَابَةً عَنْ الْغَانِمِينَ؛ وَلَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَأَمَّا دَفْعُ الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُخَابَرَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ وَلَوْ تَبَعًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ دَفْعُ الْأَرْضِ عَلَى أَنَّهَا مُزَارَعَةٌ وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ مَثَلًا وَعَسُرَ إفْرَادُ الْأَرْضِ بِالزَّرْعِ وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ وَالْعَامِلُ وَقُدِّمَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ تَبَعًا. وَقَالَ فِي الرَّوْضِ: الْمُعَامَلَةُ تَشْمَلُ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ اهـ. وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَبَعٌ لِلْمُسَاقَاةِ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا) فَهِيَ مِمَّا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ح ل.

قَوْلُهُ: (جَائِزَةٌ) أَيْ حَلَالٌ صَحِيحَةٌ فَالْجَوَازُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْبُطْلَانِ لَا الْمُقَابِلِ لِلُّزُومِ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فَكَيْفَ يَقُولُ جَائِزَةٌ فَتَأَمَّلْ مَداَبِغِيٌّ.

قَوْلُهُ: (عَلَى النَّخْلِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرٍ مُثْمِرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ سم.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ ذُكُورًا) قَالَ م ر: وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَبِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ عَلَى الْقَدِيمِ اهـ. وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: ذَكَرَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ ذُكُورَ النَّخْلِ قَدْ تُثْمِرُ اهـ. وَأَيْضًا الطَّلْعُ يُقَالُ لَهُ ثَمَرٌ.

قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي النَّخْلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِهِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةً فِي الْعِنَبِ وَأَيْضًا، وَيَبْعُدُ رُجُوعُهُ لِلْمَوْرِدِ الشَّامِلِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي الْعِنَبُ فِي قَوْلِهِ: وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا) ذَكَرَ هُنَا شُرُوطًا خَمْسَةً، وَيُضَمُّ لَهَا كَوْنُهُ نَخْلًا أَوْ عِنَبًا. قَوْلُهُ (لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) أَيْ صَلَاحُ ثَمَرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمَنْهَجُ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ ظَهَرَ أَمْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ) أَيْ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ. وَالْمُنَاسِبُ فِي الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الْعِنَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>