للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا إنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاخْتَلَفُوا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ النَّخْلَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ: «أَكْرِمُوا عَمَّاتِكُمْ النَّخْلَ الْمُطْعَمَاتِ فِي الْمَحَلِّ وَأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ طِينَةِ آدَمَ» وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَشَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّخْلَةَ بِالْمُؤْمِنِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِرَأْسِهَا وَإِذَا قُطِعَتْ مَاتَتْ، وَيُنْتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَشَبَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنَ الدَّجَّالِ بِحَبَّةِ الْعِنَبِ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْخَمْرِ، وَهِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ فَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى غَيْرِ نَخْلٍ وَعِنَبٍ اسْتِقْلَالًا كَتِينٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ وَبِطِّيخٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْمُو مِنْ غَيْرِ تَعَهُّدٍ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مَرْئِيٍّ وَلَا عَلَى مُبْهَمٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَبِالْقِيَاسِ عَلَى النَّخْلِ بِجَامِعٍ إلَخْ. وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ الشُّرُوطِ عَنْهُمَا كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ.

قَوْلُهُ: (بِجَامِعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ إلَخْ) فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى النَّخْلِ.

وَقِيلَ: إنَّ الشَّافِعِيَّ أَخَذَهُ مِنْ النَّصِّ، وَهُوَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ» كَمَا فِي خَطِّ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ. فَائِدَةٌ: النَّخْلُ وَالْعِنَبُ يُخَالِفَانِ بَقِيَّةَ الْأَشْجَارِ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الزَّكَاةِ وَالْخَرْصِ وَبَيْعِ الْعَرَايَا وَالْمُسَاقَاةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَأَسْقَطَ خَامِسًا، وَهُوَ جَوَازُ اسْتِقْرَاضِ ثَمَرَتِهِمَا لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهَا بِالْخَرْصِ فِيهِمَا وَتَعَذَّرَ خَرْصُهَا فِي غَيْرِهِمَا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا) فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَهُ بِالْعِنَبِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ ق ل. فَقَوْلُهُ: " وَرَدَ النَّهْيُ " أَيْ تَنْزِيهًا.

قَوْلُهُ: (إنَّمَا الْكَرْمُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ كَضَخْمٍ وَالْمَصْدَرُ بِفَتْحِهَا.

قَوْلُهُ: (وَاخْتَلَفُوا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ) أَيْ فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ مِنْ الذَّوَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلًّا لِعَمَلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ ع ش. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ هُنَا الشَّرَفُ بِاعْتِبَارِ خَصَائِصَ قَامَتْ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ: «فَضْلُ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ كَفَضْلِ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ» أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْبَدَنِ فَإِنَّهُ طَعَامٌ مَرِيءٌ سَهْلُ التَّنَاوُلِ سَرِيعُ الِانْهِضَامِ سَهْلُ الْخُرُوجِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّفْضِيلَ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ الثَّوَابِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ أَقَامَ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى أَرْبَعَةَ أَدِلَّةٍ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ لِوُرُودِ، الثَّانِي: وَأَنَّهَا خُلِقَتْ، وَالثَّالِثُ: التَّقْدِيمُ، وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ: " وَشَبَّهَ ". وَقَوْلُهُ أَكْرِمُوا عَمَّاتِكُمْ أَيْ بِالسَّقْيِ وَالتَّعَهُّدِ، وَسُمِّيَتْ النَّخْلَةُ عَمَّةٌ وَهِيَ أُخْتُ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ آدَمَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الطِّينَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا آدَم. وَذَكَرَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا أَصْلَ لَهُ فَهُوَ مَوْضُوعٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَحْلِ) أَيْ الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّهَا خُلِقَتْ) يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ بِكَسْرِ إنْ وَأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَلِوُرُودِ إلَخْ؛ فَيَكُونُ دَلِيلًا آخَرَ لِلْأَفْضَلِيَّةِ. وَفِي نُسْخَةٍ " فَإِنَّهَا " بِالْفَاءِ، وَعَلَيْهَا فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " أَكْرِمُوا " وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالنَّخْلِ بَلْ الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ كَذَلِكَ خُلِقَا مِنْ فَضْلِ طِينَتِهِ. كَمَا وَرَدَتْ الثَّلَاثَةُ مُفَرَّقَةً فِي أَحَادِيثَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُخْتَصُّ بِالنَّخْلِ اجْتِمَاعُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي الشَّرْحِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ) أَيْ مَعَ الِاتِّصَالِ فَلَا يَرُدُّ مَا فِي عَبَسَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: " فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا " وَلَعَلَّ أَفْضَلِيَّةَ النَّخْلِ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّجَرِ كَثْرَةُ نَفْعِهِ، فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِسَائِرِ أَجْزَائِهِ حَتَّى جُذُورِهِ فَهِيَ دَوَاءٌ مِنْ مَرَضِ السُّوسَةِ الَّتِي تَضُرُّ أَسْنَانَ الْإِنْسَانِ تُوضَعُ فِي الْحَجَرِ وَتُشْرَبُ كَالدُّخَانِ الْمَعْرُوفِ.

قَوْلُهُ: (وَشَبَّهَ) أَيْ؛ وَلِأَنَّهُ شَبَّهَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (بِرَأْسِهَا) وَهُوَ مَوْضِعُ الثَّمَرِ فَرَأْسُهَا أَعْلَاهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَسْرِي إلَيْهِ مِنْ بَاطِنِهَا؛ لِأَنَّهَا تَجْذِبُ الْمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ بِعُرُوقِهَا حَتَّى يَصْعَدَ إلَى رَأْسِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رُطُوبَةُ بَاطِنِهَا إذَا قُطِعَتْ. وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْآدَمِيِّ الْمُؤْمِنِ بَلْ كُلُّ حَيَوَانٍ إذَا قُطِعَ رَأْسُهُ مَاتَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ وَجْهُ الشَّبَهِ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ الْحَافِظُ حَجّ شَبَهَهَا بِالْمُؤْمِنِ لِمَا ذَكَرَ.

قَوْلُهُ: (عَيْنَ الدَّجَّالِ) أَيْ الصَّحِيحَةَ. قَوْلُهُ: (اسْتِقْلَالًا) وَأَمَّا تَبَعًا فَيَجُوزُ إنْ عَسُرَ إفْرَادُ الْغَيْرِ بِالسَّقْيِ كَالْمُزَارَعَةِ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>