وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ مُشْتَقٌّ مِنْ سَاكَ إذَا دَلَكَ وَالسِّوَاكُ لُغَةً الدَّلْكُ وَآلَتُهُ وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ عُودٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأُشْنَانٍ فِي الْأَسْنَانِ وَمَا حَوْلَهَا لِإِذْهَابِ التَّغَيُّرِ وَنَحْوِهِ، وَاسْتِعْمَالُهُ (مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ حَالٍ) مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَنْ اسْتَاك إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِعُودِ الزَّيْتُونِ وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: «سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» الْمُقْتَضِي شُمُولَهُ لِكُلِّ نَبِيٍّ قَبْلَ إبْرَاهِيمَ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْبِيَاءِ مَجْمُوعُهُمْ لَا كُلُّ وَاحِدٍ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَلْ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ سَاكَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ وَهُوَ السِّوَاكُ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَزِيدَ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ أَوْ مِنْ الْفِعْلِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْفِعْلِ وَجَمْعُ السِّوَاكِ سُوُكٌ بِضَمِّ السِّينِ وَالْوَاوِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْوَاوُ تَخْفِيفًا قَوْلُهُ لُغَةً الدَّلْكُ أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْفَمِ كَدَلْكِ الْبَابُوجِ وَمِنْهُ تَسْوِيكُ الْبِكْرِ وَهُوَ دَلْكُ فَرْجِ الْبِكْرِ بَعْدَ إزَالَةِ بَكَارَتِهَا بِخِرْقَةٍ حَتَّى يَحْسُنَ جِمَاعُ الزَّوْجِ لَهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ وَآلَتُهُ أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ وَمُنْفَرِدَيْنِ قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ كُلِّ خَشِنٍ طَاهِرٍ كَمَا سَيَأْتِي فَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ عَطْفٌ عَلَى عُودٍ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِقَوْلِهِ كَأُشْنَانٍ لِأَنَّ الْأُشْنَانَ بِزْرُ الْغَاسُولِ وَلَيْسَ بِعُودٍ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَعْوَادٌ رَفِيعَةٌ بِبِلَادِ الشَّامِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّابُونِ الثَّلَاثَةِ وَبَقِيَّتُهَا الزَّيْتُ وَالْجِيرُ. اهـ. شَيْخُنَا قَوْلُهُ فِي الْأَسْنَانِ الْأَوْلَى فِي الْفَمِ لِيَشْمَلَ مَنْ لَا سِنَّ لَهُ قَوْلُهُ وَمَا حَوْلَهَا الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا فَيَشْمَلُ اللِّسَانَ وَسَقْفَ الْحَلْقِ قَوْلُهُ لِإِذْهَابِ التَّغَيُّرِ قَدْ يَقْتَضِي هَذَا أَنَّ السُّنَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إذْهَابِ التَّغَيُّرِ وَيُنَافِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ إلَّا إنْ كَانَ لِتَغَيُّرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِإِذْهَابِ بَيَانٌ لِحِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتَغَيُّرٍ بِالْفَمِ أَوْ قَلَحٍ بِالْأَسْنَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ إنْ أَرَادَ تَمَامَ السُّنَّةِ اهـ قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى لِإِذْهَابِ وَيُفَسَّرُ بِتَسْوِيَةِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ كَالْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى التَّغَيُّرِ وَيُفَسَّرُ بِإِذْهَابِ الْكَسَلِ وَنَحْوِهِ.
وَأَرْكَانُ السِّوَاكِ خَمْسَةٌ مُسْتَاكٌ وَمُسْتَاكٌ بِهِ وَمُسْتَاكٌ مِنْهُ وَمُسْتَاكٌ فِيهِ وَنِيَّةٌ اسْتِقْلَالًا أَوْ تَبَعًا. قَوْلُهُ: (وَاسْتِعْمَالُهُ) ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى السِّوَاكِ بِمَعْنَى الْآلَةِ وَكَأَنَّ السِّوَاكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ فَفِيهِ تَغَيُّرُ إعْرَابِهِ وَمَعْنَاهُ تَأَمَّلْ ق ل. قُلْت: بَلْ كَلَامُ الشَّارِحِ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، إذْ قَوْلُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ إشَارَةٌ لِتَفْسِيرِ السِّوَاكِ بِالْفِعْلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْإِعْرَابُ فَلَا تَغْيِيرَ فِيهِ إذْ هُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَتَفْسِيرُ السِّوَاكِ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بُدَّ مِنْهُ إذْ الِاسْتِحْبَابُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لَا بِالذَّاتِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ الْعَبَّادِيُّ وَالسِّوَاكُ بِمَعْنَى اسْتِيَاكٍ أَوْ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ اسْتِعْمَالِهِ. اهـ. اج. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ وَاسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ صَحِيحٌ بِدُونِ هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ السِّوَاكَ شَرْعًا مَعْنَاهُ الِاسْتِعْمَالُ الْمُتَقَدِّمُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاسْتِعْمَالُ الْعُودِ إلَخْ مُسْتَحَبٌّ إلَخْ. وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالسِّوَاكِ الْآلَةُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وَاسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُضَافُ لِلْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْفِقْهِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ فَالْأَحْكَامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ إذْ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِهِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لَنَا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِأَجْلِ التَّهَيُّؤِ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ. وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَيِّ وَقْتٍ هَلْ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسَنُّ لَنَا فِيهَا أَوْ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَهَيُّئِهِ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ فَتَدَبَّرْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ مَا نَصُّهُ: قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِوُجُوبِهِ فِي حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَمْ النَّافِلَةِ مَعَهَا أَمْ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي حَقِّنَا أَمْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؟ . لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. نَعَمْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» . وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ تَخْصِيصُهُ بِالْمَفْرُوضَةِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ حَالٍ) أَيْ وَزَمَانٍ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَالْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute