عِنْدَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِي اسْتِحْبَابِهِ كُلَّ وَقْتٍ.
(إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ زَوَالِ الشَّمْسِ وَهُوَ مَيْلُهَا عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا اسْتِعْمَالُهُ (لِلصَّائِمِ) وَلَوْ نَفْلًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عُمُومُ الْأَحْوَالِ وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَحْوَالُ جَمْعُ حَالٍ، وَهِيَ مَا عَلَيْهِ الشَّخْصُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَبَعْدَ الزَّوَالِ زَمَنٌ مَخْصُوصٌ لَيْسَ مِنْ أَحْوَالِ الشَّخْصِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ مُتَّصِلٌ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ إلَّا إلَخْ. وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَيَشْمَلُ وَقْتَ الزَّوَالِ. .
قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِيَشْمَلَ أَيَّامَ الدَّجَّالِ؛ لِأَنَّ فِي أَيَّامِهِ يَوْمًا كَسَنَةٍ وَيَوْمًا كَشَهْرٍ وَيَوْمًا كَجُمُعَةٍ فَاعْتِبَارُ الزَّوَالِ فِيهِ تَقْدِيرِيٌّ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ: قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِجَوَازِ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ صَائِمٌ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ وَخُصَّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بَعْدَهُ يَتَمَحَّضُ عَنْ الصَّوْمِ لِخُلُوِّ الْمَعِدَةِ. نَعَمْ إنَّ تَغَيُّرَ فَمِهِ بِغَيْرِ الْخُلُوفِ كَأَنْ تَمَحَّضَ تَغَيُّرُهُ بِغَيْرِهِ كَنَوْمٍ لَمْ يُكْرَهْ لِزَوَالِ الْمَعْنَى، نَعَمْ إنْ كَانَ يُدْمِي فِيهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ فِي لِثَتِهِ وَخَافَ الْفِطْرَ كُرِهَ كَمَا بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ كَبِدِ) أَيْ وَسَطِ.
قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ) أَيْ إنْ اسْتَاك بِنَفْسِهِ، فَإِنْ سَوَّكَهُ مُكَلَّفٌ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ عَلَى نَظِيرِ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ إنْ أَزَالَهُ غَيْرُهُ حَرُمَ، وَإِنْ أَزَالَهُ بِنَفْسِهِ كَأَنْ جُرِحَ جُرْحًا يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهُ فَأَزَالَ دَمَهُ ثُمَّ مَاتَ كُرِهَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ أَزَالَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَفْسِهِ كَرَامَةً وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْكَرَاهَةِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الْإِزَالَةِ إذَا أَزَالَهُ بِالسِّوَاكِ الشَّرْعِيِّ لَا بِأُصْبُعِهِ. فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَالُوا بِطَلَبِهِ فَمَا إذَا حَصَلَ تَغَيُّرُ الْخُلُوفِ فَمَا الْفَرْقُ؟ . قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ السِّوَاكَ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَلِلتَّغَيُّرِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ التَّغَيُّرِ وَدَفْعُ الْمَفَاسِدِ أَهَمُّ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِأَيِّ شَيْءٍ كُرِهَ الِاسْتِيَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ، وَلَمْ تُكْرَهْ الْمَضْمَضَةُ مَعَ أَنَّهَا مُزِيلَةٌ لِلْخُلُوفِ بَلْ أَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ حَيْثُ قَالُوا: وَالْمَاءُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ وَلَا كَذَلِكَ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ؟ . أَجَابَ ق ل فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ: بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تُكْرَهْ الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الرِّيحَ بِخِلَافِ السِّوَاكِ اهـ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْجَوَابِ شَيْءٌ إذْ الْإِزَالَةُ حَاصِلَةٌ فِي كُلٍّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا بِالسِّوَاكِ أَقْوَى.
قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الْمَطْلُوبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ ثَوَابِ رِيحِ الْمِسْكِ الْمَطْلُوبِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الشَّمَّ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ تَعَالَى، أَوْ مَعْنَى كَوْنِهِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَرِضَاهُ بِهِ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وِفَاقًا لِابْنِ الصَّلَاحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَخْتَصُّ بِهِ لِتَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذِكْرَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْجَزَاءِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ، وَخُصَّ الْمِسْكُ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ طِيبٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الْخَاءِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ أَرْبَعَةٌ: خُلُوفٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَخَلُوفٌ بِفَتْحِهَا وَخَلَفٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَخَلْفٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَالْخُلُوفُ بِالضَّمِّ هُوَ تَغَيُّرُ الْفَمِ وَالْخَلُوفُ بِفَتْحِ الْخَاءِ هُوَ كَثِيرُ خُلْفِ الْوَعْدِ وَالْخَلَفُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَاللَّامِ هُوَ الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ وَالْخَلْفُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ ذُرِّيَّةُ السُّوءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: ٥٩] إلَخْ وَيُطْلَقُ الْخَلْفُ أَيْضًا عَلَى مَا قَابَلَ الْأَمَامَ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ إلَخْ) وَصَدَّرَ الْحَدِيثَ: أَمَّا الْأُولَى: «فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ نَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ وَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute