للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْبِيهٌ: لَا أُجْرَةَ لِعَمَلٍ كَحَلْقِ رَأْسٍ وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِلَا شَرْطِ أُجْرَةٍ، وَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ الْعَمَلُ بِهَا لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا مَعَ صَرْفِ الْعَامِلِ مَنْفَعَتَهُ. هَذَا إذَا كَانَ حُرًّا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، أَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ بِسُكُونِهِ فِيهِ، وَبِخِلَافِ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ إذَا عَمِلَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ لِلْإِذْنِ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ الْمُقَابَلِ بِعِوَضٍ.

تَتِمَّةٌ: لَوْ قَطَعَ الْخَيَّاطُ ثَوْبًا وَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ لِمَالِكِهِ: بِذَا أَمَرَتْنِي. فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ قَمِيصًا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ. وَلَهُ عَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ نَقْصِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِلَا إذْنٍ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً. وَالثَّانِي: مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَمَقْطُوعًا قَبَاءً وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَطْعِ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ أَوْ كَانَ مَقْطُوعًا قَبَاءً أَكْثَرَ قِيمَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. .

وَيَجِبُ عَلَى الْمُكْرِي تَسْلِيمُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

حَجْمَ الشَّعِيرِ أَكْبَرُ. بَقِيَ مَا لَوْ ابْتَلَّ الْمَحْمُولُ وَثَقُلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهَلْ يَثْبُتُ لِلْمُكْرِي الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ وَبِدَابَّتِهِ أَخْذًا مِمَّا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ حَيْثُ قَالُوا فِيهِ لَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ نَقْلُهُ إلَيْهِ لِثِقَلِ الْمَيِّتِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ: لَا أُجْرَةَ لِعَمَلٍ) وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَوْ جَلَسَ إنْسَانٌ عِنْدَ الطَّبَّاخِ وَقَالَ: أَطْعِمْنِي رَطْلًا مِنْ اللَّحْمِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَأَطْعَمَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيمِ لَهُ مُسَلِّطٌ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى يُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الثَّمَنَ، وَالْبَيْعُ إنْ صَحَّ أَوْ فَسَدَ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ الثَّمَنِ اهـ مِنْ الْقَوْلِ التَّامِّ فِي آدَابِ دُخُولِ الْحَمَّامِ لِابْنِ الْعِمَادِ. وَلَوْ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَى الْقَصَّارِ أَوْ الْخَيَّاطِ أَوْ نَحْوِهِمَا وَعَرَّضَ بِالْأُجْرَةِ كَقَوْلِهِ: اعْمَلْ وَأَنَا أُرْضِيك، أَوْ مَا تَرَى مِنِّي إلَّا مَا يَسُرُّك؛ فَعَمِلَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَيَسْتَحِقُّ عَامِلُ الزَّكَاةِ أُجْرَتَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهَا الْإِمَامُ عِنْدَ بَعْثِهِ.

قَوْلُهُ: (بِهَا) أَيْ بِالْأُجْرَةِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " عُرِفَ ".

قَوْلُهُ: (فَلَا) أَيْ فَلَا لَا أُجْرَةَ بَلْ الْأُجْرَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ. فَرْعٌ: لَوْ أَكْرَى بَيْتًا يَضَعُ فِيهِ مِائَةَ إرْدَبٍّ فَوَضَعَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ أَرْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ غُرْفَةً فَطَرِيقَانِ: إحْدَاهُمَا يُخَيَّرُ الْمُؤَجِّرُ بَيْنَ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَالثَّانِيَةُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَالثَّانِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِكُلٍّ اهـ عَمِيرَةَ.

قَوْلُهُ: (بِلَا إذْنٍ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ دَخَلَ بِإِذْنٍ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الْحَمَّامِ السَّفِينَةُ مَرْحُومِيٌّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَمَّامَ وَالسَّفِينَةَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ، فَإِنْ دَخَلَهُمَا بِلَا إذْنٍ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بِجُلُوسِهِ فِيهِمَا صَارَ غَاصِبًا لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ بِخِلَافِ وَضْعِ الْمَتَاعِ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا لَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النَّقْلِ أَوْ الرُّكُوبِ، فَهُوَ أَيْ الدُّخُولُ بِلَا إذْنٍ نَظِيرُ مَا لَوْ وَجَدَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ زِيَادِيٌّ.

قَوْلُهُ: (قَبَاءً) بِفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُهُ أَقْبِيَةٌ كَقَضَاءٍ وَأَقْضِيَةٍ.

قَوْلُهُ: (بِذَا أَمَرَتْنِي) أَيْ فَتَلْزَمُكَ الْأُجْرَةُ لِي.

قَوْلُهُ: (بَلْ أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ) أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لَك وَيَلْزَمُك أَرْشُ نَقْصِهِ ح ل. وَلَوْ أَحْضَرَ الْخَيَّاطُ ثَوْبًا فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: لَيْسَتْ هَذِهِ ثَوْبِي، وَقَالَ الْخَيَّاطُ: بَلْ هِيَ ثَوْبُك؛ صُدِّقَ الْخَيَّاطُ بِيَمِينِهِ ح ل؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، أَيْ وَصَارَ الْخَيَّاطُ مُقِرًّا بِهَا لِمَنْ يُنْكِرُهَا فَلَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ سم. قَوْلُهُ: (فَيَحْلِفُ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَا لِقَوْلِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ م د.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَثْبَتَ إلَخْ) هَذَا لَا يُلَائِمُ الْمُدَّعِيَ وَإِنَّمَا يُلَائِمُ الْمُعْتَمَدَ الْآتِيَ، وَالْمُنْتِجُ لِهَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْقَطْعِ أَصْلًا.

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى الْمُكْرِي إلَخْ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا ذَكَرَ وَاجِبًا عَلَى الْمُكْرِي أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>