وَلَمْ يُحْيِ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: أَحْيِ أَوْ اُتْرُكْ، فَإِنْ اسْتَمْهَلَ بِعُذْرٍ أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً.
تَنْبِيهٌ: مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا عِلَاجٍ كَنِفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَمُومْيَا، أَوْ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ، وَهُوَ مَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِعِلَاجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَقَدْ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ. وَخَرَجَ بِظُهُورِهِ مَا لَوْ عَلِمَهُ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْدِنَ الْبَاطِنَ دُونَ الظَّاهِرِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ صَاحِبَ التَّنْبِيهِ. أَمَّا بُقْعَتُهُمَا فَلَا يَمْلِكُهَا بِإِحْيَائِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِهِمَا لِفَسَادِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا بُسْتَانًا وَلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْعٌ: فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ رَجُلٌ بِيَدِهِ رِزْقَةٌ اشْتَرَاهَا ثُمَّ مَاتَ فَوَضَعَ شَخْصٌ يَدَهُ عَلَيْهَا بِتَوْقِيعٍ سُلْطَانِيٍّ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ مُنَازَعَتُهُ. الْجَوَابُ: إنْ كَانَتْ الرِّزْقَةُ وَصَلَتْ إلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ بِأَنْ أَقَطَعَهُ السُّلْطَانُ إيَّاهَا أَيْ مَلَّكَهُ إيَّاهَا وَمَنَعَ مِنْهُ غَيْرَهُ وَهِيَ أَرْضٌ مَوَاتٌ فَهُوَ يَمْلِكُهَا وَيَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهَا وَيَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا لِأَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ أَقَطَعَهُ إيَّاهَا وَهِيَ غَيْرُ مَوَاتٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ الْآنَ فَإِنَّ الْمُقْطَعُ لَا يَمْلِكُهَا بَلْ يَنْتَفِعُ بِهَا بِحَسَبِ مَا يُقِرُّهَا السُّلْطَانُ وَلِلسُّلْطَانِ انْتِزَاعُهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْطَعِ بَيْعُهَا، فَإِنْ بَاعَ فَفَاسِدٌ. وَإِذَا أَعْطَاهَا السُّلْطَانُ لِأَحَدٍ نَفَذَ وَلَا يُطَالَبُ اهـ. وَأَقُولُ: مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ إقْطَاعَ السُّلْطَانِ لِغَيْرِ الْمَوَاتِ لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَقَطَعَهُ غَيْرَ الْمَوَاتِ تَمْلِيكًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ. وَبَقِيَ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ أَوْ إرْفَاقٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّمْلِيكِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَمُتَحَجِّرٌ) أَيْ مَانِعُ لِغَيْرِهِ مِنْهُ بِمَا فَعَلَهُ م ر، وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى إحْيَائِهِ اهـ قَالَ ع ش: وَهَلْ يَلْزَمُ الثَّانِيَ لِلْأَوَّلِ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ آلَاتِهِ وَمَا صَرَفَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ خُذْ بِنَاءَك أَوْ اُتْرُكْهُ، فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ) إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ.
قَوْلُهُ: (مُدَّةً قَرِيبَةً) أَيْ يَتَأَتَّى فِيهَا الْعِمَارَةُ عَادَةً يُقَدِّرُهَا الْإِمَامُ بِرَأْيِهِ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِمَارَةِ بَطَلَ حَقُّهُ؛ شَرْحِ الْمَنْهَجِ
قَوْلُهُ: (بِلَا عِلَاجٍ) أَيْ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِنَحْوِ حَفْرٍ. سم.
قَوْلُهُ: (كَنِفْطٍ) بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا مَا يُرْمَى بِهِ كَالْبَارُودِ. قَوْلُهُ: (وَكِبْرِيتٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهِيَ عَيْنٌ تَجْرِي تُضِيءُ فِي الْمَعْدِنِ فَإِذَا فَارَقَهُ وَجَمَدَ مَاؤُهَا زَالَ ضَوْءُهُ وَصَارَ كِبْرِيتًا أَحْمَرَ وَأَبْيَضَ وَأَصْفَرَ وَكَدُرَا، وَالْأَحْمَرُ مِنْهُ يُضْرَبُ بِهِ الْمِثْلُ فِي الْعِزَّةِ فَيُقَالُ: أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ؛ زِيَادِيٌّ. وَيُقَالُ إنَّ مَعْدِنَهُ بِلَادُ وَادِي النَّمْلِ الَّذِي مَرَّ بِهِ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. اهـ. زي.
قَوْلُهُ: (وَقَارٍ) أَيْ زِفْتٍ. قَوْلُهُ: (وَمُومْيَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَهُوَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ الْبَحْرُ إلَى السَّاحِلِ فَيَجْمُدُ وَيَصِيرُ كَالْقَارِ وَقِيلَ حِجَارَةٌ سُودٌ بِالْيَمَنِ وَمِنْهُ نَوْعٌ مِنْ عِظَامِ مَوْتَى الْكُفَّارِ وَهُوَ مُتَنَجِّسٌ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْدِنَ الْبَاطِنَ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، فَإِنْ عَلِمَهُمَا لَمْ يَمْلِكْهُمَا وَلَا بُقْعَتَهُمَا، وَإِنْ جَهِلَهُمَا مَلَكَهُمَا وَبُقْعَتَهُمَا زي. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ كَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِعَمَلٍ، وَاعْتَادَ الْوُلَاةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إذَا هَلَكَ الْوَالِي الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ خَلَفَهُ مَنْ بَعْدَهُ فَمَرَّةً يَسْتَأْجِرُ الْوَالِي عُمَّالًا يَعْمَلُونَ فِي الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَمَرَّةً يُكْرِهُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَلِمَنْ يَكُونُ الْمُتَحَصِّلُ مِنْ الْمَعْدِنِ لِلْوَالِي أَمْ لِلْعُمَّالِ. وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ لِصٌّ وَأَخَذَ مِنْ الْمَعْدِنِ بِنَفْسِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ فَأَجَابَ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ غَيْرَهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَجِيرِ بِأَنْ نَوَى نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَمَا لَمْ يَنْوِ نَفْسَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجِيرِ. اهـ. عَنَانِيٌّ اهـ. قَوْلُهُ: (صَاحِبَ التَّنْبِيهِ) هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ.