للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَزْرَعَةً أَوْ نَحْوَهَا، وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا وَسُيُولِ الْأَمْطَارِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا لِخَبَرِ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَحَجُّرُهَا وَلَا لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرْضِهِمْ مِنْ الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ فَضَاقَ الْمَاءُ عَنْهُمْ سَقَى الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَحَبَسَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ الْمُبَاحِ فِي إنَاءٍ أَوْ بِرْكَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِلْكٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لَا لِلتَّمْلِيكِ بَلْ لِلِارْتِفَاقِ بِهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ هُنَاكَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَرْتَحِلَ لِحَدِيثِ: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَالْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ فِي الْمَوَاتِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكِهِ يَمْلِكُ الْحَافِرُ مَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ.

(وَيَجِبُ) عَلَيْهِ (بَذْلُ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ بَلْ بِسِتَّةٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ) الْأَوَّلُ (أَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لِفَسَادِ قَصْدِهِ) أَيْ بِسَبَبِ مَنْعِهِ لِلْغَيْرِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَامِّ النَّفْعِ كَالْمَاءِ، فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةُ فَسَادِ قَصْدِهِ. وَقَوْلُهُ: "؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ " أَيْ هَذِهِ الْبُقْعَةَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا أَيْ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا عَامُّ النَّفْعِ كَمَحَلِّ الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ كَنِيلِ مِصْرَ، شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا بُسْتَانًا) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبُقْعَةِ وَهِيَ يُمْكِنُ اتِّخَاذُهَا دَارًا مَثَلًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَا تُتَّخَذُ أَيْ عَادَةً.

قَوْلُهُ: (وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ) دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ بَيَّنَ حُكْمَ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ، فَكَمَّلَ الشَّارِحُ الْفَائِدَةَ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمُبَاحِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَاءِ) أَيْ مَاءِ السَّمَاءِ وَمَاءِ الْعُيُونِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَالْكَلَأُ مَرَاعِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَالنَّارُ الَّتِي ضُرِبَتْ فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ. اهـ. ح ل. أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَالْجَمْرُ نَفْسُهُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَأَمَّا الْجُرْمُ الْمُضِيءُ فَالْوَجْهُ عَدَمُ مَنْعِ مَنْ يَقْتَبِسُ مِنْهُ ضَوْءًا زي وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (فَضَاقَ إلَخْ) خَرَجَ مَا إذَا كَانَ يَفِي بِالْجَمِيعِ، فَيَسْقِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَتَى شَاءَ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (سَقَى الْأَعْلَى) أَيْ الْأَوَّلُ، فَالْأَوَّلُ حَالَ الْإِحْيَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِبَ " فَضَاقَ الْمَاءُ عَنْهُمْ " وَبَعْضُهُمْ أَحْيَا أَوَّلًا سَقَى الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ أَيْ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَرْضَهُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَتْ لَهُ حَاجَةٌ، وَإِنْ هَلَكَ زَرْعُ الْأَسْفَلِ قَبْلَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ أَحْيَوْا مَعًا أَوْ جَهِلَ السَّابِقُ أَقْرَعَ، قَالَ ق ل: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُحْيِيَ يَحْرِصُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْ الْمَاءِ م د. وَمَحَلُّ الْإِقْرَاعِ فِي ذَلِكَ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ إلَى الْمَاءِ، أَمَّا إذَا قَرُبَ أَحَدُهُمْ إلَى الْمَاءِ فَهُوَ الْأَحَقُّ بِالسَّقْيِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) أَيْ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ ح ل.

وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ: " حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ " لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ.

قَوْلُهُ: (وَمَا أُخِذَ) الْأَخْذُ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ، وَخَرَجَ بِهِ الْمَاءُ الدَّاخِلُ فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّبِيلِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: " أَوْ حُفْرَةٍ أَيْ بِمِلْكِهِ، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، فَإِنْ سَدَّ عَلَيْهِ مَثَلًا أَوْ قَصَدَ تَمَلُّكَهُ مَلَكَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (مِنْ هَذَا الْمَاءِ) وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ بِرْكَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: بِرْكَةُ الْمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَالْجَمْعُ بِرَكٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ أَنَّ السُّيُوطِيّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّ فِيهَا لُغَةً بِضَمِّ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَيَدٍ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى مَحَلِّهِ لَمْ يَصِرْ شَرِيكًا بِهِ بَلْ هُوَ عَلَى إبَاحَتِهِ، أَيْ فَهُوَ. بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، وَلَا يَحْرُمُ إعَادَتُهُ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَوْجُهِ عِنْدَ شَيْخِنَا. اهـ. ح ل. وَقَالَ الْخَطِيبُ: وَسَأَلْت عَنْ شَخْصٍ أَخَذَ مَاءً مِنْ النَّهْرِ ثُمَّ صَبَّهُ فِيهِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالِهِ؟ فَتَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ مَاءَ النَّهْرِ لَا يُمْلَكُ وَلِأَنَّ الْمَاءَ الْمَصْبُوبَ مَوْجُودٌ فِي النَّهْرِ لَمْ يَتْلَفْ. قَوْلُهُ: (بِلَا لِلِارْتِفَاقِ) أَيْ الِانْتِفَاعِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَرْتَحِلَ) فَإِذَا ارْتَحَلَ صَارَ كَغَيْرِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهَا، كَمَا لَوْ حَفَرَهَا بِقَصْدِ ارْتِفَاقِ الْمَارَّةِ أَوْ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ فِيهَا كَغَيْرِهِ كَمَا فُهِمَ مِنْ ضَمِيرِ لِارْتِفَاقِهِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِلتَّمَلُّكِ) أَيْ بِقَصْدِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ ق ل. وَفِيهِ قُصُورٌ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ سم عَلَى مُسْتَحِقِّهِ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ انْفَجَرَ فِيهِ عَيْنٌ أَوْ اخْتِصَاصٌ كَأَنْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ لِلِارْتِفَاقِ بِهَا.

قَوْلُهُ: (بَذْلُ الْمَاءِ) أَيْ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَالْمَاءُ قَيْدٌ، وَخَرَجَ الدَّلْوُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَجِبُ. وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ " الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ.

قَوْلُهُ: (بَلْ بِسِتَّةٍ) وَنَظَمَهَا الْمَدَابِغِيُّ بِقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>