هُوَ وَالتَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ بِمَعْنًى وَهُوَ لُغَةً الْحَبْسُ يُقَالُ وَقَفْتُ كَذَا أَيْ حَبَسْتُهُ وَلَا يُقَالُ أَوْقَفْته إلَّا فِي لُغَةٍ تَمِيمِيَّةٍ وَهِيَ رَدِيئَةٌ وَعَلَيْهَا الْعَامَّةُ وَهُوَ عَكْسُ حَبَسَ فَإِنَّ الْفَصِيحَ أَحْبِسُ وَأَمَّا حَبَسَ فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ مَوْجُودٍ وَيُجْمَعُ عَلَى وُقُوفٍ وَأَوْقَافٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] فَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ لَمَّا سَمِعَهَا رَغِبَ فِي وَقْفِ بَيْرُحَا وَهِيَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الضِّدْيَةِ، وَالْوَقْفُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ م ر وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْوَقْفَ مِنْ خَصَائِصِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَيْ وَقْفَ الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ، قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اهـ وَفِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ وَأُمَّتَهُ بِالْأَشْهُرِ الْهِلَالِيَّةِ وَبِالْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، قَالُوا: الْوَقْفُ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: الشَّافِعِيُّ لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت إنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، يَعْنِي تَحْبِيسَ الْأَرَاضِيِ وَالْعَقَارِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمِلَلَ السَّابِقَةَ كَانُوا يَحْبِسُونَ أَمْوَالًا لَا يُبَيِّنُونَ لَهَا مَصْرِفًا بَلْ الْوَقْفُ شَهِيرٌ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمِلَلِ، فَقَدْ نَقَلَ الْمَقْرِيزِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرُّومَ تَزْعُمُ أَنَّ بِلَادَ مَقْدُونِيَّةَ بِأَسْرِهَا مِنْ إسْكَنْدَرِيَّةَ إلَى الصَّعِيدِ الْأَعْلَى وَقْفٌ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْكَنِيسَةِ الْعُظْمَى الَّتِي بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَمَقْدُونِيَّةُ بِاللِّسَانِ الْعِبْرَانِيُّ مِصْرُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ بِمَدِينَةِ سُومَانَ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ صَنَمٌ لَهُ مِنْ الْوُقُوفِ مَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ قَرْيَةٍ يُصْرَفُ رِيعُهَا عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ الْبَرْهَمِيِّينَ يَعْبُدُونَهُ. فَمُرَادُ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَمِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ اسْتَبَانَ أَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا خِلَافًا لِلْمُؤَلِّفِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَمِمَّا يُرْشِدُكَ إلَى ذَلِكَ تَصْرِيحُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ أَوْقَافَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاقِيَةٌ إلَى الْآنَ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (حَبَّسْتُهُ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا حَبَسَ) أَيْ بِالتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا بِالتَّشْدِيدِ فَلَا رَدَاءَةَ فِيهِ أج.
قَوْلُهُ: (حَبْسُ مَالٍ إلَخْ) اشْتَمَلَ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ مَالًا هُوَ الْمَوْقُوفُ. وَقَوْلُهُ " عَلَى مَصْرِفٍ " هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَالْحَبْسُ يَتَضَمَّنُ حَابِسًا وَهُوَ الْمَوْقُوفُ وَيَتَضَمَّنُ صِيغَةً. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مَالٍ " أَوْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَمَوِّلَةٍ بِشَرْطِهَا الْآتِي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَالِ عَيْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَدِمُ بِصَرْفِهَا فَلَا يَبْقَى لَهَا عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ.
قَوْلُهُ: (بِقَطْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " حَبْسُ " وَالْمُرَادُ بِالْقَطْعِ الْمَنْعُ، وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَوْ لِلتَّصْوِيرِ، وَيَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ مُصَوَّرٌ بِقَطْعِ إلَخْ أَوْ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ " عَلَى مَصْرِفٍ " مُتَعَلِّقٌ بِحَبْسِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (لَمَّا سَمِعَهَا رَغِبَ إلَخْ) كَذَا قَالُوهُ، وَهُوَ مُشْكِل فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى» وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُفِيدُ الْوَقْفَ لِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كِنَايَةٌ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَوَى الْوَقْفَ بِهَا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ سِيَاقُ الْحَدِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ نَوَاهُ بِهَا. ثَانِيهِمَا، وَهُوَ الْعُمْدَةُ: أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الْوَقْفِ بَيَانُ الْمَصْرِفِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ " لِلَّهِ عَنْهُ " بِخِلَافِهِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا يَأْتِي مَعَ الْفَرْقِ، فَقَوْلُهُ " صَدَقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " لَا يَصْلُحُ لِلْوَقْفِ عِنْدَنَا وَإِنْ نَوَاهُ، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَقُولُونَ إنَّهُ وَقَفَهَا؟ فَهُوَ إمَّا غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْحَدِيثِ أَوْ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ كَالْوَصِيَّةِ. اهـ. حَجّ مَرْحُومِيٌّ. وَفِي شَرْحِ سم: وَخَرَجَ بِكَوْنِهِ عَلَى أَصْلٍ وَفَرْعٍ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، كَوَقَفْتُ هَذَا مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ: «هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ» ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (بَيْرُحَا) بِإِضَافَةِ بِئْرٍ إلَى لَفْظِ الْحَرْفِ ق ل، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَالْمَدُّ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرُ فَفِيهَا خَمْسُ لُغَاتٍ، وَهُوَ اسْمُ مَاءٍ وَمَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ مُسْتَقْبِلٌ الْمَسْجِدَ اهـ وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَهِيَ حَدِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَتَبِعَهُ أج.
قَوْلُهُ: (ابْنُ آدَمَ) عِبَارَةُ م ر وحج: «إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ» إلَخْ فَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ ع ش.
قَوْلُهُ: (انْقَطَعَ عَمَلُهُ) أَيْ ثَوَابُ عَمَلِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ) هَذَا الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ