للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ وَاقِفٌ وَمَوْقُوفٌ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ

وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَهَا مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ فَقَالَ: (وَالْوَقْفُ) أَيْ مِنْ مُخْتَارٍ أَهْلِ تَبَرُّعٍ (جَائِزٌ) أَيْ صَحِيحٌ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْوَاقِفُ فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ؛ وَمِنْ مُبَعَّضٍ لَا مِنْ مُكْرَهٍ وَمُكَاتَبٍ. وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ. وَقَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَهُ، فَقَدْ زِيدَ عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءُ نَظَمَهَا السُّيُوطِيّ فَقَالَ:

إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ لَيْسَ يَجْرِي ... عَلَيْهِ مِنْ خِصَالٍ غَيْرُ عَشْرِ

عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلٍ ... وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَجْرِي

وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرٍ ... وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ

وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي ... إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِّ ذِكْرِ

وَزَادَ بَعْضُهُمْ:

وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ ... فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيث بِحَصْرِ

قَوْلُهُ " وَعُلُومٌ بَثَّهَا " أَيْ بِتَعْلِيمٍ أَوْ تَأْلِيفٍ أَوْ تَقْيِيدٍ بِهَوَامِشَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ) أَيْ مُسْلِمٍ يَدْعُو لَهُ. وَفَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ بِالْوَلَدِ مَعَ أَنَّ دُعَاءَ الْغَيْرِ يَنْفَعُهُ تَحْرِيضُ الْوَلَدِ عَلَى الدُّعَاءِ لِأَصْلِهِ.

قَوْلُهُ: (يَدْعُو لَهُ) مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَشَمَلَ الدُّعَاءَ لَهُ بِسَبَبِهِ.

قَوْلُهُ: (مَحْمُولَةٌ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِالْوَقْفِ مَعَ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْعُلَمَاءِ) أَيْ الْعَارِفِينَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ لِلنَّاسِ يَوْمًا فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّبِعُوا الْعُلَمَاءَ فَإِنَّهُمْ سُرُجُ الدُّنْيَا وَمَصَابِيحُ الْآخِرَةِ» عَزِيزِيٌّ. وَسُرُجُ الدُّنْيَا أَيْ مُنَوِّرُوهَا جَمْعُ سِرَاجٍ. وَوَرَدَ: «ثَلَاثَةٌ تُضِيءُ فِي الْأَرْضِ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيءُ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَهِيَ الْمَسَاجِدُ وَبَيْتُ الْعَالِمِ وَبَيْتُ حَافِظِ الْقُرْآنِ» .

قَوْلُهُ: (عَلَى الْوَقْفِ) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَيْ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا، وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهِمْ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ يَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ شَرْطَ الرُّكْنَيْنِ وَهُمَا الْمَوْقُوفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ شَرْطَهُمَا حَقِيقَةً، فَالرُّكْنَانِ مَذْكُورَانِ ضِمْنًا فِي ذِكْرِ الشَّرْطَيْنِ، فَفِي قَوْلِهِ " مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ " مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَتْنَ عَبَّرَ بِالشُّرُوطِ وَمُرَادُهُ الْأَرْكَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ يَتَضَمَّنُ بَعْضَ الْأَرْكَانِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الْوَقْفُ وَالْمُرَادُ لَازِمُهُ وَهُوَ الْوَاقِفُ، فَفِيهِ إطْلَاقُ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةُ لَازِمِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ مُخْتَارٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ.

قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ) وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ قُرْبَةٌ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا، وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لَوْ عَظَّمَ الْمَسْجِدَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لَوْ عَظَّمَ الْكَنِيسَةَ فَإِنَّهُ يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَالتَّعْظِيمُ لَهَا مِنْ شِعَارِ الْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِشَرْطِهِمَا اهـ.

مَدَابِغِيٌّ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ فَيَصِحُّ إلَخْ " تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْطُوقِ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ مُبْعِضٍ) أَيْ فِي نَوْبَتِهِ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً، بِخِلَافِ الْعِتْقِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَفِيهِ إخْرَاجُ مِلْكِهِ عَنْهُ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ الْوَقْفُ وَلَوْ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ: (لَا مِنْ مُكْرَهٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَفْهُومِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) كَالسَّفَهِ وَصِحَّةِ نَحْوِ وَصِيَّتِهِ، وَلَوْ بِوَقْفِ دَارِهِ لِارْتِفَاعِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ) أَيْ كَأَنْ أَذِنَ لِوَلِيِّهِ فِي الْوَقْفِ فَبَاشَرَهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ. وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ " مَقُولُ الْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ " ذَكَرَ أَرْبَعَةً " تَعْلِيلٌ لِلْمَحْذُوفِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَرْبَعَةً فَكَيْفَ يَعُدُّهَا ثَلَاثَةً، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ شَرْطًا وَاحِدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>