وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقِرَاضِ فَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةُ فَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ. وَبِغَيْرِ الضِّمْنِيَّةِ الضِّمْنِيَّةُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي مَجَّانًا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَنْهُ وَيَسْقُطُ الْقَبْضُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا يَسْقُطُ الْقَبُولُ إذَا كَانَ الْتِمَاسُ الْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، وَبِغَيْرِ ذَاتِ الثَّوَابِ ذَاتُهُ فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الثَّوَابَ اسْتَقَلَّ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُهُ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ فِيهِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْوَاهِبُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهَبِ أَمْ لَا فَلَوْ قَبَضَ بِلَا إذْنٍ وَلَا إقْبَاضٍ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ هُنَا لَا يَكْفِي الْإِتْلَافُ وَلَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَبُو سَلَمَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَبَتْ ثُمَّ عُمَرُ فَأَبَتْ ثُمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَكَتْ إلَيْهِ شِدَّةَ الْغَيْرَةِ، فَدَعَا لَهَا أَنْ يُذْهِبَهَا اللَّهُ عَنْهَا فَكَانَتْ فِي نِسَائِهِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا تَجِدُ مَا يَجِدُونَ مِنْ الْغَيْرَةِ اهـ مِنْ بُسْتَانِ الْفُقَرَاءِ.
قَوْلُهُ: (إنِّي لَأُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا مِنْ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الظَّنِّ. اهـ. م د. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا رُدَّتْ إلَخْ) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: (فَكَانَ كَذَلِكَ) أَيْ مَوْتُ النَّجَّاشِي وَرَدُّ الْهَدِيَّةِ، لَكِنْ مَا رُدَّتْ قَسَمَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ نِسَائِهِ وَلَمْ يَخُصَّ بِهَا أُمَّ سَلَمَةَ م ر، وَذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمْ تَقْبِضْهَا وَهِيَ هِبَةٌ. فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ لَا بِالْعَقْدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ رَدَّ الْهَدِيَّةِ لِمَوْتِ النَّجَّاشِي قَبْلَ قَبْضِهِ لَهَا، فَرَدُّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَعْدٌ لَا عَقْدُ هِبَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا.
قَوْلُهُ: (الْفَاسِدَةُ) أَيْ بِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْمَوْهُوبِ مَثَلًا فَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَلَا ضَمَانَ لَوْ تَلِفَتْ، وَأَمَّا الْفَاسِدَةُ بِفَوَاتِ شَرْطٍ فِي الْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَّهَبِ فَقَدْ عَرَفْت حُكْمَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ) نَعَمْ لَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ قَبْضِهَا لَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ.
قَوْلُهُ: (أَعْتِقْ عَبْدَك إلَخْ) أَيْ فَفَعَلَ.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الْتِمَاسٌ إلَخْ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا ضِمْنِيًّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الثَّوَابَ) أَيْ الْعِوَضَ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنَّهَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (اسْتَقَلَّ بِالْقَبْضِ) مُقْتَضَى مُقَابَلَتِهِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ خَارِجٌ بِقَيْدٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ بِقَبْضٍ مَعَ إذْنٍ، أَمَّا ذَاتُ الثَّوَابِ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى الْإِذْنِ إذَا سَلَّمَ الْمُقَابِلَ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) أَيْ مِنْ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي الْإِشْهَادُ بِالْمِلْكِ فِي هِبَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي م ر، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَإِمْكَانِ السَّيْرِ إلَى الْغَالِبِ.
قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ الْوَاهِبِ فِيهِ) أَيْ الْقَبْضِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ عَنْ جِهَةِ الْهِبَةِ أَيْضًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ بَعْدَ تَمَامِ الصِّيغَةِ، فَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ هَذَا وَأَذِنْتُ لَك فِي قَبْضِهِ فَقَالَ قَبِلْتُ لَمْ يَكْفِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَمِثْلُ الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ الْإِقْبَاضُ، فَلَا تُمْلَكُ بِدُونِهِمَا. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ صَدَقَ الْوَاهِبُ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ لَكِنْ قَالَ الْوَاهِبُ رَجَعْت قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبَ، وَقَالَ الْمُتَّهَبُ: بَلْ بَعْدَهُ، صَدَقَ الْمُتَّهَبُ ز ي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ) تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِهِ: دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ غَائِبًا) وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ مُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَبْضِ) أَيْ أَنَّ الْمَنْقُولَ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ، وَالْعَقَارُ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ وَتَفْرِيغُهُ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَالْغَائِبُ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، فَيَجْرِي ذَلِكَ فِي قَبْضِ الْمَوْهُوبِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ هُنَا لَا يَكْفِي الْإِتْلَافُ) إلَّا إنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِالْأَكْلِ أَوْ الْعِتْقِ وَأَذِنَ فِيهِ الْوَاهِبُ فَيَكُونُ قَبْضًا وَيُقَدَّرُ انْتِقَالُهُ إلَيْهِ قُبَيْلَ الِازْدِرَادِ وَالْعِتْقِ ز ي.
قَوْلُهُ: (وَلَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَتُمْلَكُ الْهَدِيَّةُ بِوَضْعِهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْبَالِغِ لَا الصَّبِيِّ وَإِنْ أَخَذَهَا اهـ. بَقِيَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا الصَّبِيُّ وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ فَهَلْ يَضْمَنُهَا، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهَا بِإِهْدَائِهَا لَهُ وَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ لِلصَّبِيِّ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ فَأَتْلَفَهُ لَمْ