مُسْتَحِقٍّ الْقَبْضَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَامَ وَارِثُ الْوَاهِبِ مَقَامَهُ فِي الْإِقْبَاضِ وَالْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ وَوَارِثُ الْمُتَّهَبِ فِي الْقَبْضِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالْجُنُونِ وَلَا بِالْإِغْمَاءِ لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى اللُّزُومِ كَالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ.
(وَإِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ) أَيْ الْهِبَةَ الشَّامِلَةَ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ (لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ) حِينَئِذٍ (الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْوَاهِبُ (وَالِدًا) وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ عَلَى الْمَشْهُورِ، سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا الْوَلَدُ أَمْ لَا، غَنِيًّا كَانَ أَمْ فَقِيرًا، صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا لِخَبَرِ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَالْوَلَدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَإِلَّا
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ إقْبَاضٌ كَمَا تَقَرَّرَ سم عَلَى حَجّ. وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالْبَالِغِ أَنَّهُ يَكْفِي الْقَبُولُ مِنْ السَّفِيهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ وَلِيِّهِ وَلَا قَبْضِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ. اهـ. عِ ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ إذْنِ الْمُتَّهَبِ فِي الْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْهُوبُ. وَقَوْلُهُ " غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْمُتَّهِبِ " وَمُسْتَحِقٌّ " يَكُونُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ قَاسِمٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَاعْتُبِرَ تَحْقِيقُهُ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَجَعَلَ التَّمْكِينَ مِنْهُ قَبْضًا.
قَوْلُهُ: (قَامَ وَارِثُ الْوَاهِبِ إلَخْ) فَلَوْ لَمْ يَرِثْ الْوَاهِبَ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ فَهَلْ يَقُومُ الْإِمَامُ مَقَامَهُ فِي الْإِقْبَاضِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرُهُ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَلِّكُهَا لِلْمُتَّهِبِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ إقْبَاضَهُ إيَّاهَا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَتَفَسَّخُ بِالْمَوْتِ) هُوَ مُسْتَدْرَكٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّفْرِيعَ، وَيَقُومُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ وَلَوْ حَاكِمًا مَقَامَهُ وَلَا وَلِيٌّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ أَيْ فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْهَا فَكَمَا لِمَجْنُونٍ ق ل. قَوْلُهُ: (كَالْبَيْعِ) فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ بَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْهِبَةُ) الَّتِي هِيَ الْعَيْنُ، أَمَّا الدَّيْنُ فَلَا مَعْنَى لِلْقَبْضِ فِيهِ وَلَا رُجُوعَ فِيهِ مُطْلَقًا عَشْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّدَقَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ بِشَيْءٍ يَكُونُ لَهُ رُجُوعٌ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ هُنَا؛ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَفِي الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ فَلْيُحَرَّرْ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً» إلَخْ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْمُتَطَوَّعِ بِهَا غَيْرِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ فَلَا رُجُوعَ لِلْوَالِدِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَحْمَ أُضْحِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِيَسْتَفِيدَ التَّصَرُّفَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا) أَيْ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا. نَعَمْ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ امْتَنَعَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ) أَيْ مَا عَدَا الْأَبِ وَالْأُمِّ، فَمُرَادُهُ بِالْوَالِدِ مَا يَشْمَلُ الْأُمَّ. وَحَمَلَ الشَّارِحُ الْوَالِدَ عَلَى الْحَقِيقِيِّ فَأَتَى بِذَلِكَ، وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لَشَمِلَ سَائِرَ الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْجِهَتَيْنِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا) هَذَا التَّعْمِيمُ سَرَى إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَلِلْوَالِدِ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ إلَخْ، وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمَتْنِ لِأَنَّهُ فَرَضَ كَلَامَهُ فِي الْقَبْضِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ق ل: هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ اهـ وَأَيْضًا كُلُّ أَحَدٍ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَدَمُ الْقَبْضِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) يُرْفَعُ الْوَالِدُ بَدَلٌ مِنْ فَاعِلِ يَرْجِعُ أَوْ بِجَرِّهِ بَدَلٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ بِنَصْبِهِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُخْتَارُ الْإِتْبَاعُ. وَذِكْرُ الرَّجُلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَاخْتَصَّ الْوَالِدُ بِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيهِ إذْ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ مِنْ إيثَارِهِ وَلَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ وَيُكْرَهُ لَهُ الرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ وُجِدَ كَكَوْنِ الْوَلَدِ عَاقًّا أَوْ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَنْذَرَهُ بِهِ، فَإِنْ أَصَرَّ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَالَا. وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ نَدْبَهُ فِي الْعَاصِي وَكَرَاهَتَهُ فِي الْعَاقِّ إنْ زَادَ عُقُوقُهُ بِهِ وَنَدْبُهُ إنْ أَزَالَهُ وَإِبَاحَتُهُ إنْ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا، وَالْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ كَرَاهَتِهِ إنْ احْتَاجَ الْأَبُ لِنَفَقَتِهِ أَوْ دَيْنٍ بَلْ نَدْبُهُ حَيْثُ كَانَ الْوَلَدُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لَهُ وَوُجُوبُهُ فِي الْعَاصِي إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَعَيُّنُهُ طَرِيقًا إلَى كَفِّهِ عَنْ