كَالسِّمَنِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى لِلْمُتَّهَبِ لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْمُقَارِنِ لِلْهِبَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ وَإِنْ انْفَصَلَ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِرَجَعْتُ فِيمَا وَهَبْتُ أَوْ اسْتَرْجَعْتُهُ أَوْ رَدَدْتُهُ إلَى مِلْكِي. أَوْ نَقَضْت الْهِبَةَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَأَبْطَلْتُهَا أَوْ فَسَخْتُهَا، وَلَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِبَيْعِ مَا وَهَبَهُ الْأَصْلُ لِفَرْعِهِ، وَلَا بِوَقْفِهِ وَلَا بِهِبَتِهِ وَلَا بِإِعْتَاقِهِ، وَلَا بِوَطْءِ الْأَمَةِ.
وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ مِنْ صِيغَةٍ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ، وَتَحْصُلُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولِ لَفْظٍ مِنْ النَّاطِقِ مَعَ التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ كَالْبَيْعِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (صَارَ مُسْتَهْلَكًا) أَيْ لِأَنَّهُ أَوْجَدَ فِيهِ فِعْلًا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ اقْتَرَضَ حَبًّا فَبَذَرَهُ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ رُجُوعِ الْمُقْرِضِ، وَقَوْلُهُمْ لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً عِنْدَ الْمُقْتَرِضِ لَا يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً بِحَالِهَا، فَلَا يُقَالُ إنَّ مَا يُوجِدُهُ اللَّهُ مِنْ الزَّرْعِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُقْرِضِ؛ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ حَبًّا فَنَبَتَتْ فَإِنَّ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِلْمَالِكِ وَعَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُ نَقْصِهِ إنْ فُرِضَ أَنَّ الزَّرْعَ أَنْقَصُ مِنْ الْحَبِّ الْمَغْصُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَنَقَلَهُ أج عَنْ الزِّيَادِيِّ، وَعِبَارَتُهُ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّ بَذْرَ الْحَبِّ وَتَفْرِيخَ الْبَيْضِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الرُّجُوعِ، وَإِنْ تَدَاوَلَتْ الْأَيْدِي عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالتَّعَلُّقُ بِذَلِكَ أَيْ بِمَا نَشَأَ مِنْ الْبَذْرِ وَالْبَيْضِ أَوْلَى مِنْ التَّعَلُّقِ بِبَدَلِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ.
قَوْلُهُ: (بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ) أَيْ غَيْرِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ وَلَوْ قَبْلَ وَضْعِهِ سم.
قَوْلُهُ: (كَالسِّمَنِ) أَيْ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ لَا مُعَالَجَةَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ، زي. وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّدِ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ التَّعَلُّمَ إنْ كَانَ فِيهِ مُعَالَجَةٌ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ دَفَعَهَا الْوَاهِبُ لِابْنِهِ إنْ طَلَبَهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ لِحُدُوثِهِ، ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (بِبَيْعِ مَا وَهَبَهُ الْأَصْلُ إلَخْ) أَيْ بَيْعَهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بَاطِلَةٌ.
قَوْلُهُ: (لِفَرْعِهِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْفَرْعِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِوَقْفِهِ) أَيْ وَلَا بِإِيلَادِهِ وَإِتْلَافِهِ، وَيَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَبِالْإِيلَادِ وَالْإِتْلَافِ الْقِيمَةُ وَتَلْغُو الْبَقِيَّةُ، وَالْوَطْءُ حَرَامٌ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الرُّجُوعَ، وَإِذَا رَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَوْهُوبَ مِنْ الْوَلَدِ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ سم.
قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَإِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَخْ، لِيُتِمَّ الْكَلَامَ عَلَى الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ صِيغَةٍ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى وَلَا لَهُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ، أَمَّا الصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ فَتَصِحُّ مِنْهُ وَلَهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ عَلَى طَبَقِ الْإِيجَابِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ هُنَا، وَمِنْهُ أَيْضًا اعْتِبَارُ الْفَوْرِيَّةِ فِي الصِّيغَةِ فَيَضُرُّ الْفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ اغْتِفَارُ قَوْلِهِ بَعْدَ وَهَبْتُكَ وَسَلَّطْتُكَ عَلَى قَبْضِهِ، فَلَا يَكُونُ فَاصِلًا مُضِرًّا لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَقْدِ؛ نَعَمْ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ قَبْلَ وُجُودِ الْقَبُولِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي مَزْجِ الرَّهْنِ بِالْبَيْعِ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَقَدْ لَا يَشْتَرِطُ صِيغَةً كَمَا لَوْ كَانَتْ ضِمْنِيَّةً كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَجَّانًا، وَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَأَقَرَّهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَيَّنَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ بِحُلِيٍّ كَانَ تَمْلِيكًا لَهُ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَمْلِيكِهِ بِتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ كَلَامَهُمَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ اشْتَرَطَا فِي هِبَةِ الْأَصْلِ تَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَهِبَةُ وَلِيِّ غَيْرِهِ لِمُوَلِّيهِ قَبُولُهَا مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ؛ شَرْحِ م ر. نَعَمْ إنْ دَفَعَ ذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِ لَهُ أَوْ قَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ كَانَ صَدَقَةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ، وَقَدْ تَدُلُّ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ عَلَى شَيْءٍ فَيَعْمَلُ بِهِ ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَحَمَلَتْ لَهُ هَدَايَا مَلَكَهَا الْأَبُ وَقَالَ جَمْعٌ لِلِابْنِ فَيَلْزَمُ الْأَبَ قَبُولُهَا، أَيْ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ؛ وَمِنْهُ قَصْدُ التَّقَرُّبِ لِلْأَبِ، وَهُوَ نَحْوُ قَاضٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْمُهْدِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ قَصَدَهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا يُعْطَاهُ خَادِمُ الصُّوفِيَّةِ، فَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ قَصْدِهِ وَلَهُمْ عِنْدَ قَصْدِهِمْ وَلَهُ وَلَهُمْ عِنْدَ قَصْدِهِمَا، أَيْ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ مَثَلًا، وَمَا