للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ صَرَائِحِ الْإِيجَابِ وَهَبْتُكَ وَمَنَحْتُكَ وَمَلَّكْتُكَ بِلَا ثَمَنٍ، وَمِنْ صَرَائِحِ الْقَبُولِ قَبِلْتُ وَرَضِيتُ، وَيَقْبَلُ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ الْوَلِيُّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْهَدِيَّةِ وَلَا فِي الصَّدَقَةِ، بَلْ يَكْفِي الْإِعْطَاءُ مِنْ الْمَالِكِ وَالْأَخْذُ مِنْ الْمَدْفُوعِ لَهُ

(وَ) تَصِحُّ بِعُمْرَى وَرُقْبَى، فَالْعُمْرَى كَمَا إذَا أَعْمَرَ شَيْئًا كَأَنْ قَالَ أَعْمَرْتُكَ هَذَا أَيْ: جَعَلْتُهُ لَك عُمْرَك أَوْ حَيَاتَك أَوْ مَا عِشْتَ وَإِنْ زَادَ فَإِذَا مِتَّ عَادَ لِي لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: جَعَلْتُهُ لَك عُمْرَك مَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُهُ لَك عُمْرِي أَوْ عُمْرَ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِخُرُوجِهِ عَنْ اللَّفْظِ الْمُعْتَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وَضْعِ طَاسَةٍ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْفَرَحِ لِيَضَعَ النَّاسُ فِيهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ تُقْسَمُ عَلَى الْمُزَيِّنِ وَنَحْوِهِ يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ قَصَدَ الْمُزَيِّنَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ نُظَرَائِهِ الْمُعَاوِنِينَ لَهُ عُمِلَ بِالْقَصْدِ، وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْفَرَحِ يُعْطِيهِ لِمَنْ شَاءَ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ هُنَا شَرْحِ م ر. وَلَوْ نَذَرَ لِوَلِيِّ مَيِّتٍ بِمَالٍ فَإِنْ قَصَدَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ لَغَا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَإِنْ كَانَ عَلَى قَبْرِهِ مَا يَحْتَاجُ لِلصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهِ صُرِفَ لَهَا، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ اُعْتِيدَ قَصْدُهُمْ بِالنَّذْرِ لِلْوَلِيِّ صُرِفَ لَهُمْ اهـ وَلَوْ أَهْدَى لِمَنْ خَلَّصَهُ مِنْ ظَالِمٍ لِئَلَّا يَنْقُضَ مَا فَعَلَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَبُولُهُ وَإِلَّا حَلَّ، أَيْ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ إذَا كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا. وَلَوْ قَالَ: خُذْ وَاشْتَرِ لَك بِهِ كَذَا، تَعَيَّنَ الشِّرَاءُ بِهِ مَا لَمْ يُرِدْ التَّبَسُّطَ، أَيْ أَوْ تَدُلُّ قَرِينَةُ مَالٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ مُحَكَّمَةٌ هُنَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ أَعْطَى فَقِيرًا دِرْهَمًا بِنِيَّةِ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ ثَوْبَهُ، أَيْ وَقَدْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ، تَعَيَّنَ لَهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفَنًا لِأَبِيهِ فَكَفَّنَهُ فِي غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ لَهُ إنْ كَانَ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِأَبِيهِ لِفِقْهٍ أَوْ وَرَعٍ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: أَوْ قَصَدَ الْقِيَامَ بِفَرْضِ التَّكْفِينِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ عَلَى الْوَارِثِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ قَصْدَهُ. فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ " فِي اشْتَرِ لَك بِهَذَا عِمَامَةً " رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. وَلَوْ شَكَا إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ أُجْرَتَهُ كَاذِبًا فَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا أَوْ أَعْطَى بِظَنِّ صِفَةٍ فِيهِ أَوْ فِي نِسْبَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَاطِنًا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَبُولُهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ وَيَكْتَفِي فِي كَوْنِهِ أَعْطَى لِتِلْكَ الصِّفَةِ بِالْقَرِينَةِ. وَمِثْلُ هَذَا مَنْ دَفَعَ لِمَخْطُوبَتِهِ أَوْ وَكِيلِهَا أَوْ وَلِيِّهَا أَوْ غَيْرِهِ لِيَتَزَوَّجَهَا فَرَدَّ قَبْلَ الْعَقْدِ رَجَعَ عَلَى مَنْ أَقْبَضَهُ، وَحَيْثُ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مَا يُعْطَاهُ إنَّمَا يُعْطَاهُ لِلْحَيَاءِ حَرُمَ الْأَخْذُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: إجْمَاعًا. وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ أَوْ تَسْلِيمِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إلَّا بِمَالٍ كَتَزْوِيجِ بِنْتِهِ، بِخِلَافِ إمْسَاكِهِ لِزَوْجَتِهِ حَتَّى تُبْرِئَهُ أَوْ تَفْتَدِيَ بِمَالٍ. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَيْهِ بِمَالٍ؛. اهـ. حَجّ. فَرْعٌ: مَا تَقَرَّرَ فِي الرُّجُوعِ فِي النُّقُوطِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا يُسْتَهْلَكُ كَالْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهِ؛ وَمَدَارُ الرُّجُوعِ عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِ الدَّافِعِ لِهَذَا الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، فَحَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالرُّجُوعِ رَجَعَ فَلَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَمَنَحْتُك) أَيْ أَعْطَيْتُك.

قَوْلُهُ: (بِلَا ثَمَنٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الثَّلَاثَةِ صَادِرَةً بِلَا ذِكْرِ ثَمَنٍ، فَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الثَّمَنَ فَهِيَ هِبَةٌ بِثَوَابٍ وَلَا كَلَامَ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ) أَيْ الْهِبَةُ وَقَوْلُهُ بِعُمْرَى، أَيْ فَهِيَ صِيغَةُ هِبَةٍ طَوَّلَ فِيهَا الْعِبَارَةَ، فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَبُولُ وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ. وَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَانَا عَقْدَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَالَهُ) أَيْ الْعَارِفُ بِمَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى الرُّقْبَى وَالْعُمْرَى وَلَوْ بِوَجْهٍ حَتَّى يَقْصِدَهُ، فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ جَاهِلًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا انْحَطَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ م ر وحج، وَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِمَعْنَاهُ بَعْدَهُ إنْ صُدِّقَ إنْ أَمْكَنَ جَهْلُهُ؛. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. فَرْعٌ يُشْتَرَطُ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى الْقَبُولُ كَالْهِبَةِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ.

قَوْلُهُ: (أَيْ جَعَلْته إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: أَوْ جَعَلْته لَك عُمْرَك، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا إلَخْ.

قَوْلُهُ: (مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ فَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا مِتّ عَادَ لِي، وَمِنْ ثَمَّ عَدَلُوا بِهِ عَنْ قِيَاسِ سَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إذْ لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَصِحُّ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ وَيَلْغُو إلَّا هَذَا زي.

قَوْلُهُ: (الْمُعْتَادُ) أَيْ الْمُعْتَادُ مَعَ النَّاسِ فِي عَقْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>