للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأْقِيتِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الْوَاهِبَ أَوْ زَيْدًا قَدْ يَمُوتُ أَوَّلًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى كَإِذَا جَاءَ فُلَانٌ أَوْ رَأْسُ الشَّهْرِ فَهَذَا الشَّيْءُ لَك عُمْرَك. وَالرُّقْبَى كَمَا إذَا قَالَ جَعَلْتُهُ لَك رُقْبَى أَوْ أَرْقُبُهُ كَأَنْ قَالَ أَرْقَبْتُكَهُ أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَ إلَيَّ وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك (كَانَ) ذَلِكَ الشَّيْءُ (لِلْمُعْمَرِ) فِي الْأُولَى (أَوْ لِلْمُرْقَبِ) فِي الثَّانِيَةِ بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ فِيهِمَا (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) وَيَلْغُو الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» أَيْ لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا طَمَعًا فِي أَنْ يَعُودَ إلَيْكُمْ فَإِنَّ مَصِيرَهُ الْمِيرَاثُ. وَالرُّقْبَى مِنْ الرُّقُوبِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ الْآخَرِ وَالْهِبَةُ إنْ أُطْلِقَتْ بِأَنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا بِعَدَمِهِ فَلَا ثَوَابَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِأَعْلَى مِنْ الْوَاهِبِ أَوْ قُيِّدَتْ بِثَوَابٍ مَجْهُولٍ كَثَوْبٍ فَبَاطِلَةٌ، أَوْ بِمَعْلُومٍ فَبَيْعٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى.

وَظَرْفُ الْهِبَةِ إنْ لَمْ يُعْتَدْ رَدُّهُ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ هِبَةً أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هِبَةً حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا فِي أَكْلِ الْهِبَةِ مِنْهُ إنْ اُعْتِيدَ.

تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ لِلْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «اتَّقُوا اللَّهَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْهِبَةِ بِلَفْظِ الْعُمْرَى.

قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) الْأَوْلَى وَلِمَا فِيهِ بِالْوَاوِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ إذَا قَالَ: جَعَلْتُهُ لَك عُمُرَكَ.

قَوْلُهُ: (إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ) أَيْ فَلَا تَأْقِيتَ فِي الْحَقِيقَةِ، شَرْحِ الْبَهْجَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلِوَرَثَتِهِ) أَيْ الْآخِذِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِهِ ذَكَرَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهَا فِي الْحَالِ لَهُ وَلِمَنْ يَرِثُهُ بِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ.

قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورُ) لَوْ حَذَفَ الْمَذْكُورَ إلَخْ، لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الرُّقْبَى شَرْطًا بَلْ فِي الْعُمْرَى فَقَطْ، وَهُوَ: فَإِذَا مِتَّ عَادَ لِي إلَّا أَنْ يُرَادَ وَلَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ ق ل. وَقَوْلُهُ " وَلَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ " وَهُوَ قَوْلُهُ أَرْقَبْتُكَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ مِتّ قَبْلِي عَادَ إلَيَّ وَإِنْ مِتّ قَبْلَك اسْتَقَرَّ لَك كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا أَوْ أُرْقِبَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تَعْمُرُوا إلَخْ) فَالنَّهْيُ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَيْدِ، وَإِلَّا فَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى جَائِزَانِ.

قَوْلُهُ: (بِثَوَابٍ) أَيْ بِذِكْرِ عِوَضٍ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (كَقَوْصَرَّةِ) بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ فَوَاوٍ سَاكِنَةٍ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَلَا تُسَمَّى بِذَلِكَ إلَّا وَفِيهَا التَّمْرُ وَإِلَّا فَهِيَ مِكْتَلٌ وَزِنْبِيلٌ وَهِيَ الْجِرَابُ الَّذِي يُكْنَزُ فِيهِ التَّمْرُ مِنْ الْبَوَادِي قَالَ الرَّاجِزُ

أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ قَوْصَرَّهْ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ

قَوْلُهُ: (إلَّا فِي أَكْلٍ) أَيْ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ عَارِيَّةً، شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَرْفَ الْهَدِيَّةِ هِبَةٌ إنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ وَإِلَّا فَعَارِيَّةٌ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ وَإِلَّا فَغَصْبٌ، اهـ وَيَنْدُبُ رَدُّ ظَرْفِ الْهَدِيَّةِ حَالًا بَلْ يَجِبُ إنْ اُعْتِيدَ تَفْرِيغُهُ حَالًا، إذْ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ. فَالْحَاصِل أَنَّهُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَفْرِيغِهِ حَالًا وَالْمُرَادُ عَادَةُ الْمُهْدِي، وَجَبَ وَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِإِبْقَائِهَا فِيهِ مُدَّةً جَازَ؛ وَلَكِنْ الْأَفْضَلُ رَدُّهُ حَالًا. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ الْهَدِيَّةِ حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا بِالْأَكْلِ مِنْهَا وَيَأْكُلَ مِنْهَا، لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَأْكُلُ هَدِيَّةً حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لِلشَّاةِ الَّتِي أُهْدِيَتْ إلَيْهِ فِي خَيْبَرَ وَهِيَ مَسْمُومَةٌ» وَهَذَا أَصْلٌ لِمَا يَعْتَادُهُ الْمُلُوكُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ كُبَرَاءِ النَّاسِ. اهـ. م د مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الشَّوْبَرِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَفِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ صَدَقَةً أَمْ هَدِيَّةً أَمْ هِبَةً أَمْ وَقْفًا أَمْ تَبَرُّعًا آخَرَ، فَأَفْهَمَ قَوْلُهُ " كَغَيْرِهِ عَطِيَّةً " أَنَّهُ لَا تُطْلَبُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ فِي غَيْرِهَا كَالتَّوَدُّدِ بِالْكَلَامِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الدَّمِيرِيِّ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ حَتَّى فِي التَّقْبِيلِ وَلَهُ وَجْهٌ،. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ زي. وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْمُمَيِّزِينَ. وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: فَرْعٌ: يَنْدُبُ لِلْأَصْلِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ بِنَحْوِ قُبْلَةٍ، نَعَمْ إنْ تَمَيَّزَ أَحَدُهُمْ بِنَحْوِ فَضِيلَةٍ فَلَهُ تَمْيِيزُهُ أَوْ بِنَحْوِ عُقُوقٍ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْإِعْطَاءِ، بَلْ يَجِبُ إنْ لَزِمَ عَلَى إعْطَائِهِ مَعْصِيَةً اهـ.

قَوْلُهُ: (يُسَوِّي إلَخْ) خَصَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِالذِّكْرِ لِمَا قِيلَ إنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>