وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ لِهَذَا الْخَبَرِ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ تَفْضِيلُ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ فَضَّلَ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ، وَفَضَّلَ عُمَرُ ابْنَهُ عَاصِمًا بِشَيْءٍ، وَفَضَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُسَوِّيَ الْوَلَدُ إذَا وَهَبَ لِوَالِدَيْهِ شَيْئًا، وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ التَّسْوِيَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَوْلَادِ، فَإِنْ فَضَّلَ أَحَدَهُمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى لِخَبَرِ: «إنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ» وَالْإِخْوَةُ وَنَحْوُهُمْ لَا يَجْرِي فِيهِمْ هَذَا الْحُكْمُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ لَكِنْ دُونَ طَلَبِهَا فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ
وَأَفْضَلُ الْبِرِّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَفِعْلِ مَا يَسُرُّهُمَا مِنْ الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَعُقُوقُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَنْ يُعْطِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلَيْ الْأُنْثَى كَالْإِرْثِ، بَلْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِعْطَاءِ وَقَدْرِ الْمُعْطَى اهـ.
قَوْلُهُ: (وَاعْدِلُوا) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ) أَيْ الْعَدْلِ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْحَاجَةِ) أَيْ وَفِي الْبِرِّ وَعَدَمِهِ وَالدِّينِ وَقِلَّتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَضَّلَ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَرَادَ أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَهُمَا أج.
قَوْلُهُ: (هَذَا الْحُكْمُ) وَهُوَ كَرَاهَةُ تَرْكِ التَّسْوِيَةِ.
قَوْلُهُ: (إنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ) أَيْ لَكِنْ تَرْكُ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَقَطْ لَا مَكْرُوهٌ، فَقَوْلُهُ " مَطْلُوبَةٌ " أَيْ فِيهَا أَصْلُ الطَّلَبِ وَلَا يَتَأَكَّدُ.
قَوْلُهُ: (بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا) مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى الْوَالِدِ أَنْ يَسْتَمِعَ كَلَامَهُ وَأَنْ يَقُومَ لِقِيَامِهِ وَيَمْتَثِلَ أَمْرَهُ وَلَا يَمْشِيَ أَمَامَهُ وَلَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِ وَيُلَبِّيَ دَعْوَتَهُ وَيَحْرِصَ عَلَى طَلَبِ مَرْضَاتِهِ وَيَخْفِضَ لَهُ جَنَاحَهُ بِالصَّبْرِ وَلَا يَمَلَّ بِالْبِرِّ لَهُ وَلَا بِالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَلَا يَنْظُرَ إلَيْهِ شَزْرًا أَيْ عَبُوسًا. وَفِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ: «لَعَنَ اللَّهُ الْعَاقَّ لِوَالِدَيْهِ» قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ: وَقَالَ وَهْبٌ: «أَوْحَى اللَّهُ إلَى مُوسَى: وَقِّرْ وَالِدَيْك فَإِنَّ مَنْ وَقَّرَ وَالِدَيْهِ مَدَدْتُ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَوَهَبْتُ لَهُ وَلَدًا يَبَرُّهُ» وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَأَيْت أَقْوَامًا مُعَلَّقِينَ فِي جُذُوعِ النَّارِ فَقُلْت: مَالِكُ، مَا كَانَ ذَنْبُهُمْ؟ قَالَ كَانُوا عَاقِّينَ لِوَالِدَيْهِمْ فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: لَا أُخْرِجُهُمْ إلَّا بِرِضَا وَالِدَيْهِمْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَخْرِجْهُمْ مَعِي يَنْظُرُونَ عَذَابَهُمْ لَعَلَّ أَنْ يَرْحَمُوهُمْ. فَيَأْمُرُ اللَّهُ بِخُرُوجِ عَشْرِ رِجَالٍ فَيَمْشُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْتُونَ إلَى جَهَنَّمَ فَيَأْمُرُ اللَّهُ مَالِكًا يَفْتَحُ لَهُمْ فَإِذَا رَأَوْا أَوْلَادَهُمْ يُعَذَّبُونَ فَيَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: مَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، فَيَصِيحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَلَدِهِ فَإِذَا سَمِعُوا صَوْتَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ بَكَوْا وَقَالُوا: النَّارُ أَحْرَقَتْ أَكْبَادَنَا وَالْعُقُوبَةُ أَهْلَكَتْنَا. فَيَبْكِي الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ فِيهِمْ: فَيَقُولُ: لَهُمْ: لَا يَخْرُجُونَ إلَّا بِشَفَاعَتِكُمْ. فَيَقُولُونَ: إلَهَنَا وَسَيِّدَنَا تَفَضَّلْ عَلَيْنَا بِخُرُوجِهِمْ مِنْ النَّارِ إلَى الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ لَهُمْ اللَّهُ: أَنْتُمْ رَضِيتُمْ عَنْ أَوْلَادِكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَالِكٍ: أَخْرِجْ كُلَّ مَنْ طَلَبَهُ أَبَوَاهُ وَأَخِّرْ مَنْ لَمْ يَطْلُبَاهُ، فَيُخْرِجُهُمْ فَحْمًا فَيُغْمَسُونَ فِي مَاءِ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُ عَلَيْهِمْ اللَّحْمُ وَالشَّعْرُ وَالْجِلْدُ وَيَدْخُلُونَ بِهِمْ الْجَنَّةَ» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَإِنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ضَمَّهُ الْقَبْرُ ضَمَّةً حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا فِي جَهَنَّمَ عَاقٌّ لِوَالِدَيْهِ وَالزَّانِي وَالْمُشْرِكُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسُخْطُ الرَّبِّ فِي سُخْطِ الْوَالِدَيْنِ» . وَعَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاهُ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ، فَدَعَاهُ فَإِذَا هُوَ بِشَيْخٍ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا وَأَنَا قَوِيٌّ وَفَقِيرًا وَأَنَا غَنِيٌّ فَكُنْت لَا أَمْنَعُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِي وَالْيَوْمَ أَنَا ضَعِيفٌ وَهُوَ قَوِيٌّ وَأَنَا فَقِيرٌ وَهُوَ غَنِيٌّ وَيَبْخَلُ عَلَيَّ بِمَالِهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَا مِنْ حَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ يَسْمَعُ بِهَذَا إلَّا بَكَى قَالَ لِلْوَلَدِ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . «وَشَكَا إلَيْهِ آخَرُ سُوءَ خُلُقِ أُمِّهِ فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ حِينَ حَمَلَتْكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ. قَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حِينَ أَرْضَعَتْك حَوْلَيْنِ؟ قَالَ إنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ. قَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حِينَ أَسْهَرَتْ لَك لَيْلَهَا وَأَظْمَأَتْ لَك نَهَارَهَا؟ قَالَ: لَقَدْ جَازَيْتُهَا. قَالَ: مَاذَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: حَجَجْتُ بِهَا عَلَى عُنُقِي. قَالَ: مَا جَازَيْتَهَا» . «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ يُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَلَا يَجِدُ رِيحَهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ عَاصٍ وَلَا جَارٌّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ إنَّ الْكِبْرِيَاءَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» اهـ مِنْ تَفْسِيرِ الْخَطِيبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute