كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَهُوَ أَنْ يُؤْذِيَهُ أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ مَا لَمْ يَكُنْ مَا آذَاهُ بِهِ وَاجِبًا
وَصِلَةُ الْقَرَابَةِ وَهِيَ فِعْلُكَ مَعَ قَرِيبِكَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ وَلَا يَفْعَلُهَا إلَّا بِإِيذَاءٍ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ أَوْ ذَا غِيبَةٍ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَأْمُورٌ بِهَا) أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ وَقَطِيعَتُهَا بِتَرْكِ الْمُوَاصَلَةِ الْمَأْلُوفَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ. وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا مَنْدُوبٌ يَكُونُ تَرْكُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الرَّحِمُ حَجْنَةٌ مُتَمَسِّكَةٌ بِالْعَرْشِ تَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ ذَلْقٍ: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنِّي شَقَقْتُ لِلرَّحِمِ اسْمًا مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ بَتَكَهَا بَتَكْتُهُ» اهـ. وَالْحَجْنَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ مَعًا بَعْدَهُمَا نُونٌ هِيَ سِنَّارَةُ الْمِغْزَلِ، وَقَوْلُهُ " بَتَكَهَا بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مُحَرَّكًا أَيْ قَطَعَهَا اهـ وَالْمُرَادُ أَنَّ حَالَهَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا تَتَجَسَّمُ وَتَقُولُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ فَلَا يُقَالُ الرَّحِمُ الْعَلَقَةُ الَّتِي بَيْنَك وَبَيْنَ قَرِيبِك فَكَيْفَ تَقُولُ. وَعَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ " إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَصِلُ رَحِمَهُ فَيُبَارَك لَهُ فِيهِ فَيَصِيرُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَيَقْطَعُ رَحِمَهُ فَيَصِيرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: " مَنْ اتَّقَى رَبَّهُ وَوَصَلَ رَحِمَهُ أُنْسِئَ لَهُ فِي عُمُرِهِ " يَعْنِي يُزَادُ فِي عُمُرِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِرُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِلَةِ الرَّحِمِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: ١] يَعْنِي اتَّقُوا الْأَرْحَامَ فَصِلُوهَا وَلَا تَقْطَعُوهَا، وَقَالَ تَعَالَى. {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: ٢٦] يَعْنِي أَعْطِهِ حَقَّهُ مِنْ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠] يَعْنِي التَّوْحِيدَ وَشَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيَأْمُرُ بِالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: ٩٠] يَعْنِي يَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ: كَانَ عِنْدَنَا بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَكَانَ صَالِحًا وَكَانَ النَّاسُ يُودِعُونَهُ الْوَدَائِعَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَوْدَعَهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَخَرَجَ الرَّجُلُ فِي حَاجَتِهِ وَقَدِمَ مَكَّةَ وَقَدْ مَاتَ الْخُرَاسَانِيُّ، فَسَأَلَ أَهْلَ مَكَّةَ: أَوْدَعْتُ فُلَانًا عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَقَدْ مَاتَ وَقَدْ سَأَلْت وَلَدَهُ وَأَهْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ فَمَا تَأْمُرُونِي؟ فَقَالُوا: نَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْخُرَاسَانِيُّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ أَوْ نِصْفُهُ ائْتِ زَمْزَمَ فَتَطَلَّعْ فِيهَا وَنَادِ يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ أَنَا صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالُوا: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦] ، يُخْشَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبُك مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَائْتِ الْيَمَنَ فَإِنَّ بِهَا وَادِيًا يُقَالُ لَهُ بَرَهُوتُ وَفِيهِ بِئْرٌ فَتَطَلَّعْ فِيهَا؛ فَإِذَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ أَوْ نِصْفُهُ فَنَادِ يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ أَنَا صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ، فَفَعَلَ، فَأَجَابَهُ مِنْ أَوَّلِ صَوْتٍ فَقَالَ: وَيْحَك مَا أَنْزَلَك هَهُنَا وَقَدْ كُنْت صَاحِبَ خَيْرٍ؟ قَالَ: كَانَ لِي أَهْلُ بَيْتٍ بِخُرَاسَانَ فَقَطَعْتُهُمْ حَتَّى مِتُّ فَآخَذَنِي اللَّهُ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ وَأَمَّا مَالَك فَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَقَدْ دَفَنْتُهُ فِي بَيْتِ كَذَا فَقُلْ لِوَلَدِي يُدْخِلُك دَارِي وَاحْفِرْ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَإِنَّك تَجِدُ مَالَك. فَوَجَدَ مَالَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَفَهُ. فَالْوَاجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ بِالزِّيَارَةِ وَالْهَدِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصِّلَةِ بِالْمَالِ فَلْيَصِلْهُمْ بِالزِّيَارَةِ وَبِالْإِعَانَةِ فِي أَعْمَالِهِمْ إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَصِلُهُمْ بِالْكِتَابِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى السَّيْرِ إلَيْهِمْ كَانَ أَفْضَلَ. وَفِي صِلَةِ الرَّحِمِ عَشْرُ خِصَالٍ مَحْمُودَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ فِيهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَمَرَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ: الثَّانِي: إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ: «إنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ» . الثَّالِثُ: أَنَّ فِيهَا فَرَحَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ يَفْرَحُونَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ. الرَّابِعُ: أَنَّ فِيهَا حُسْنَ الثَّنَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ. الْخَامِسُ: أَنَّ فِيهَا إدْخَالَ الْهَمِّ عَلَى إبْلِيسَ.
السَّادِسُ: أَنَّ فِيهَا زِيَادَةً فِي الْعُمْرِ. السَّابِعُ: أَنَّ فِيهَا بَرَكَةً فِي الرِّزْقِ. الثَّامِنُ: أَنَّ فِيهَا سُرُورَ الْأَمْوَاتِ لِأَنَّ الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ يُسَرُّونَ بِصِلَةِ الْقَرَابَةِ. التَّاسِعُ: أَنَّ فِيهَا زِيَادَةً فِي الْمُرُوءَةِ. الْعَاشِرُ: زِيَادَةُ الْأَجْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كُلَّمَا ذَكَرُوا إحْسَانَهُ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: وَاصِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute