للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِحْسَانٌ، وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ: «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»

(وَإِذَا وَجَدَ) أَيْ الْحُرُّ (لُقَطَةً فِي مَوَاتٍ أَوْ طَرِيقٍ) وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ آمِنٌ فِي الْحَالِ، خَشْيَةَ الضَّيَاعِ أَوْ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ (فَلَهُ أَخْذُهَا) جَوَازًا لِأَنَّ خِيَانَتَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ (وَ) لَهُ (تَرْكُهَا) خَشْيَةَ اسْتِهْلَاكِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَضْمَنُ بِالتَّرْكِ، فَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْأَخْذُ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ التَّرْكُ. وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الرَّقِيقُ فَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ ابْتِدَاءً وَتَمْلِيكٌ انْتِهَاءً وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ الْتَقَطَ بِإِذْنِهِ صَحَّ وَكَأَنَّ سَيِّدَهُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ، وَأَمَّا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطُ سَيِّدًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَلَوْ أَقَرَّهَا فِي يَدِهِ سَيِّدُهُ وَاسْتَحْفَظَهُ عَلَيْهَا لِيُعَرِّفَهَا وَهُوَ أَمِينٌ جَاءَ وَإِلَّا فَلَا

وَتَصِحُّ اللُّقَطَةُ مِنْ مُكَاتَبٍ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ، وَخَرَجَ بِالْمَوَاتِ الْمَمْلُوكُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَعَوْنٌ " بِمَعْنَى مُعِينٍ وَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَاَللَّهُ مُعِينٌ لِلْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ مُعِينًا لِأَخِيهِ.

قَوْلُهُ: (فِي مَوَاتٍ) أَيْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ تُخَمَّسُ خُمُسُهَا لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْمُلْتَقِطِ ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ طَرِيقٍ) وَمِنْهَا الشَّارِعُ لِأَنَّهُ الطَّرِيقُ النَّافِذُ فِي الْأَبْنِيَةِ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ الْمَسْجِدُ وَالرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ لِأَنَّهَا أَمَاكِنُ مُشْتَرَكَةٌ فَلَا يَخْتَصُّ مَا يُوجَدُ فِيهَا بِأَحَدٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ مَظِنَّةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ كَالْحَمَّامِ وَالْقَهْوَةِ وَالْمَرْكَبِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَثِقْ إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ: وَأَخْذُهَا أَوْلَى إلَخْ، وَلِمُنَاسَبَةِ اللَّامِ الْمُفِيدَةِ لِلْإِبَاحَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ق ل، أَيْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ أَخْذُهَا. قَوْلُهُ: (خَشْيَةَ الضَّيَاعِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ لِقَوْلِهِ فَلَهُ أَخْذُهَا جَوَازًا، أَيْ يُبَاحُ لَهُ أَخْذُهَا خَشْيَةَ الضَّيَاعِ، أَيْ لَوْ تَرَكَهَا، وَلَمْ يُنْدَبْ خَشْيَةَ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ؛ وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: " وَلِأَنَّ الْخِيَانَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ إلَخْ " بِوَاوِ الْعَطْفِ م د. وَقَوْلُهُ " خَشْيَةَ طُرُوُّ إلَخْ " هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ " أَوْ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ " عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ وَهُوَ الَّذِي قَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ " وَلَمْ يُنْدَبْ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " وَلَهُ تَرْكُهَا " فَمَجْمُوعُ قَوْلِهِ " خَشْيَةَ إلَخْ " عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " فَلَهُ أَخْذُهَا وَتَرْكُهَا " لَكِنْ عَلَى التَّوْزِيعِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ خَشْيَةِ اسْتِهْلَاكِهَا عِلَّةً ثَانِيَةً فَالْمُنَاسِبُ الْوَاوُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عِلَّةٌ لِلْمُعَلَّلِ مَعَ عِلَّتِهِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدُ مَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ، وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ " وَهُوَ آمِنٌ " أَيْ وَهُوَ آمِنٌ خَوْفَ الضَّيَاعِ وَآمِنٌ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ طُرُوُّ) مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّيَاعِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ خِيَانَتَهُ إلَخْ) أَمَّا إذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا كَالْوَدِيعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ) أَيْ مِنْ الْخِيَانَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُنْدَبُ لَهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَتْنِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللُّقَطَةَ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ: فَتَكُونُ مُبَاحَةً إذَا أَمِنَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَسُنَّةً إذَا وَثِقَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَوَاجِبَةً إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَعَلِمَ ضَيَاعَهَا لَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا، وَمَكْرُوهَةً لِلْفَاسِقِ، وَحَرَامًا إذَا نَوَى الْخِيَانَةَ؛ وَعَلَى كُلٍّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَرَكَهَا وَلَوْ فِي صُورَةِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إنْ وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ نُدِبَ لَهُ الِالْتِقَاطُ، إنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ آمِنٌ فِي الْحَالِ أُبِيحَ لَهُ الْأَخْذُ مَا لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا وَإِلَّا كُرِهَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ آمِنًا فِي الْحَالِ وَمُحَقِّقًا مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَصَارَ ضَامِنًا إنْ أَخَذَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. اهـ. م د، وَتَكُونُ وَاجِبَةً إذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ حَالًا وَمَآلًا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَمِينٌ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ " وَمَكْرُوهَةً لِلْفَاسِقِ " أَيْ وَلَوْ بِنَحْوِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَإِنْ عُلِمَتْ أَمَانَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ حَجّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَابَ يُكْرَهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْتِفَاءِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْخِيَانَةِ حَالَ الْأَخْذِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (الرَّقِيقُ) أَيْ كُلًّا.

قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) أَيْ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ سَيِّدَهُ سم. قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ وَفِي نُسْخَةٍ: " أَهْلِهِمَا " بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى لِغَيْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ الرَّقِيقَ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ. وَهَلْ إذْنُهُ لَهُ فِي الِاكْتِسَابِ مُطْلَقًا إذْنٌ لَهُ فِي الِالْتِقَاطِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ بَحَثَ الزَّرْكَشِيّ تَرْجِيحَ أَوَّلِهِمَا اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَقَرَّهَا فِي يَدِهِ) أَيْ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِالْتِقَاطِ، فَإِقْرَارُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ اهـ.

قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ وَكَانَ قَائِمًا مَقَامَ الْإِذْنِ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّقِيقُ أَمِينًا، فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ لَهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالْإِقْرَارِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ وَرَدَّهَا إلَيْهِ فَيَضْمَنُهَا السَّيِّدُ وَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَمِنْهَا رَقَبَةُ الْعَبْدِ فَيُقَدِّمُ صَاحِبَهَا بِرَقَبَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ الْعَبْدُ فَقَطْ كَمَا شُرِحَ فِي م ر، وَلِبَعْضِهِمْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>