للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ غَيْرِ لَقِيطٍ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ تَبَعًا لِأَحَدِ أُصُولِهِ وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَتَبَعًا لِسَابِيهِ الْمُسْلِمِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي السَّبْيِ أَحَدُ أُصُولِهِ لِأَنَّهُ صَارَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، فَإِنْ كَفَرَ بَعْدَ كَمَالِهِ بِالْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ فِي التَّبَعِيَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَمُرْتَدٌّ لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِهِ فِي التَّبَعِيَّةِ الْأُولَى وَهِيَ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فَإِنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ لَا مُرْتَدٌّ لِبِنَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ.

وَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ ادَّعَى رِقَّهُ لَاقِطٌ أَوْ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ تُقَامَ بِرِقِّهِ بَيِّنَةٌ مُتَعَرِّضَةٌ لِسَبَبِ الْمِلْكِ كَإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ يُقِرُّ بِهِ بَعْدَ كَمَالِهِ. وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَلَمْ يَسْبِقْ إقْرَارُهُ بَعْدَ كَمَالِهِ بِحُرِّيَّتِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ فِي تَصَرُّفٍ مَاضٍ مُضِرٍّ بِغَيْرِهِ، فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَبِيَدِهِ مَالٌ قَضَى مِنْهُ وَلَا يَجْعَلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالرِّقِّ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اُتُّبِعَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي الْمُضِرُّ بِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِدَارِ الْكُفْرِ) الْمُرَادُ بِدَارِ الْكُفْرِ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ مِنْ غَيْرِ صُلْحٍ وَلَا جِزْيَةٍ وَلَمْ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا عَدَا دَارِ الْإِسْلَامِ، ابْنُ حَجَرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إلَّا إنْ وُجِدَ بِهَا مُسْلِمٌ مُقِيمٌ إقَامَةً يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ فِيهَا بِأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ وُجِدَ بِدَارِنَا اكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى الْإِمْكَانِ حَتَّى الْمُرُورِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ فِي صُورَتَيْنِ إذَا اسْتَلْحَقَهُ الْكَافِرُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِمَحَلٍّ مَنْسُوبٍ لِلْكُفَّارِ أَصَالَةً لَيْسَ بِهِ مُسْلِمٌ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (بِهِ مُسْلِمٌ) وَلَوْ أُنْثَى م ر. وَالْجُمْلَةُ نَعْتٌ لِدَارٍ، وَالضَّمِيرُ فِي " بِهِ " رَاجِعٌ لِلدَّارِ لِاكْتِسَابِهَا التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا إذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِك أَنْتِ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِك. فَتَحَاكَمَا إلَى دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتَاهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَقْسِمْهُ: فَقَالَتْ الصُّغْرَى: لَا يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاَللَّهِ مَا سَمِعْت بِالسِّكِّينِ قَطُّ إلَّا يَوْمئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إلَّا الْمُدْيَةُ. وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ جَوَّزَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَلْحِقُ اللَّقِيطَ وَأَنَّهُ يَلْحَقُهَا لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ.

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا إذَا اُسْتُلْحِقَتْ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ. وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ يَلْحَقُ الْخَلِيَّةَ دُونَ الْمُزَوَّجَةِ لِتَعَذُّرِ الْإِلْحَاقِ بِهَا دُونَهُ، وَإِذَا قُلْنَا يَلْحَقُهَا بِالِاسْتِلْحَاقِ وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَلْحَقْهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالزَّوْجِ مَنْ هِيَ فِي عِصْمَتِهِ بَلْ كَوْنُهَا فِرَاشًا لِشَخْصٍ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُ اللَّقِيطِ مِنْهَا بِالْبَيِّنَةِ لَحِقَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ. وَتَأَمَّلْ فِي قَوْلِ الْمَرْأَةِ لِسُلَيْمَانَ لَا، يَرْحَمُك اللَّهُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (صَبِيٌّ) بَدَلٌ.

قَوْلُهُ: (تَبَعًا لِأَحَدِ أُصُولِهِ) فَإِنْ قُلْت: إطْلَاقُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ جَدِّهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قُلْت: أَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ. وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ حُكْمٌ جَدِيدٌ أَيْ فَيَقْطَعُ التَّبَعِيَّةَ لِآدَمَ، لِخَبَرِ: «إنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» . اهـ. زَكَرِيَّا.

قَوْلُهُ: (وَتَبَعًا لِسَابِيهِ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَلَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَمُسْلِمٌ. قَوْلُهُ: (لِبِنَائِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ عَلَى ظَاهِرِهَا، أَيْ الدَّارِ. فَإِنْ أَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ تَبَيَّنَّا أَيْ تَبَيَّنَ لَنَا خِلَافُ مَا ظَنَنَّاهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ وَحَكَى الْكُفْرَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ ارْتِدَادًا بِخِلَافِ التَّابِعِ لِأَحَدِ أُصُولِهِ أَوْ السَّابِي فَإِنَّهُ إذَا حَكَى الْكُفْرَ بَعْدَ كَمَالِهِ كَانَ ارْتِدَادًا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ حُرٌّ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ حُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ وَرِقِّهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَى رِقَّةً إلَخْ) غَايَةٌ لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ أَحْرَارٌ فَهَذَا حُكْمٌ بِالْغَالِبِ.

قَوْلُهُ: (فِي تَصَرُّفٍ) أَيْ فِي حُكْمِ تَصَرُّفٍ مَاضٍ كَعَدَمِ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْمِثَالِ ذَكَرَهُ. وَقَوْلُهُ " مَاضٍ " بِخِلَافِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي) صُورَتُهُ أَنْ يَقْتُلَ اللَّقِيطُ رَقِيقًا ثُمَّ يُقِرُّ بِالرِّقِّ فَهُوَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ غَيْرُ مُكَافِئٍ لَهُ فَلَا يُقْتَلُ فِيهِ وَبَعْدَ الْإِقْرَارِ مُكَافِئٌ لَهُ فَيُقْتَلُ فِيهِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>